ماذا نقرأ في التدابير الأمنية والوقائية للجوامع والمساجد؟
لم تعد صناعة الأمن اليوم حصرا على مؤسسات الأمن فحسب، بل أصبحت مسؤولية اجتماعية تتشارك فيها الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى ، في ظل ارتباطه بإنسانية الإنسان وسعيه نحو بناء مناخات السعادة ، وتمكينه من القيام بمسؤولياته بكل حرية واطمئنان، وكان على الجميع في الوقت نفسه تعظيم قيمته وتعميق دوره وربطه بمعطيات الحياة وطبيعة الممارسات، إذ عندما تقترب الممارسة من الأمن، متفاعلة مع متطلباته، ملتزمة حدوده وشروطه وضوابطه كانت إلى سبيل الرشاد أقرب، وإلى المهنية والتميز ألصق، من هنا باتت المؤسسة الدينية كالجامع والمسجد ومدرسة القرآن الكريم وقاعات التدريس والذكر وغيرها، وفي ظل ما تتسم يه من روحانيات تكوينها، ومساحات السكينة والاستقرار والهدوء والاطمئنان التي تبسط صرحها، باتت معنية بفرض حالة الأمن في كل زواياها، وتعميق روح النظام والوعي والمهنية والالتزام والتوجيه في آلية التعامل مع مواردها ومكتسباتها، فإن قراءة متأنية لمعطيات القرار الوزاري لمعالي الشيخ وزير الأوقاف والشؤون الدينية الموقر، ( 1/ 2017) بشأن التدابير الأمنية والوقائية للجوامع والمساجد، ومراعاة وجود أماكن مخصصة للكاميرات والسيرفرات وإضافتها في خرائط تصميم الجوامع والمساجد وفق مواصفات محددة وأنظمة عمل مقننة تراعي جملة من المتغيرات كحجم المساحات والموقع والاستيعاب والاتساع ومواقف السيارات والمداخل والمخارج، ومختلف الزوايا الخارجية للجامع أو المساجد، وتوفر غرفة المراقبة لحفظ البيانات وحمايتها من العبث أو التلف أو سوء الاستغلال؛ يحمل في طياته الكثير من التوجهات التطويرية واستشراف التحولات الحاصلة في منظومة العمل الأمني، وآلية التعامل مع البيانات والمؤشرات والاستفادة منها، وبناء أطر مؤسسية تنظيمية تستوعب التحولات الحاصلة في المجتمع من جهة، وتسهم في بناء أرضيات متجددة تقوم علبها استراتيجيات العمل، وتقنين العمليات الداخلية التخطيطية والتنظيمية والتقييمية والاعلامية والتثقيفية والتوعوية في الجوامع والمساجد، كمؤسسات اجتماعية دينية إنسانية تقوم بدورها في ترسيخ قيم النظام، وتعميق مسارات الوعي، وتعزيز الوحدة الوطنية، وخلق مساحات أكبر للتعاون والحوار والتواصل والتعايش والوئام الإنساني، وتأطير المشترك القيمي والأخلاقي، وقد حدد القرار جملة من المعطيات والآليات المناسبة التي تتجه إلى الابتكارية عبر توظيف التقنية وأدواتها في بث روح الطمأنينة وترسيخ نطاق الأمن، في ظل شعور الجميع بواجبه نحوه، لنقرأ في القرار منهج الاستباقية في قراءة الحالة الأمنية، وفي التعامل مع الازمات ، وامتلاك حدس التوقعات، وهي توقعات بنيت في ظل تشخيص للواقع الإنساني عامة وفهم أعمق للخصوصية العمانية المتفردة في تسامحها وتوازنها، وهو يأتي في إطار بناء أرضيات للأمن والاستقرار وتعميق روح المسؤولية الذاتية ومراقبة الضمير النابعة من إدراك القيمة المتحققة من الأمن، والشعور بالجهود التي تقوم بها المؤسسات، بما يسهم في تحقيق عوامل السعادة والطمأنينة والاستقرار، لكل المترددين على الجوامع والمساجد.
وعليه فإن ملامح هذا التحول تنطلق من شمولية النظرة وعمق التأمل في متطلبات الواقع، وحس الرصد لتجلياته، عبر وجود أبعاد مستقبلية أمنية واجتماعية وثقافية وفكرية، وبناء منطلقات تنظيمية تعزز من مستوى الالتزام والحرص على أداء المهام المنوطة بالقائمين على إدارة شؤون هذه الجوامع والمساجد، وتحقيق رسالتها الإنسانية وغاياتها بالشكل الذي يضعها كداعم قوي للأمن، مستفيدة من التقنية وما تقدمه من فرص التسويق والجذب والتفاعل معها من قبل المجتمع، وتعزيز وجود منطلقات وأسس للتقييم والاحصائيات، وتوظيفها بهدف الوصول الى مؤشرات عمل تصف واقع المؤسسة الدينية، وتتبني منهجيات التطوير والتجديد فيها، إنها صياغة جديدة لمرحلة أكثر فاعلية في منظومة عمل الجوامع والمساجد، لتصبح كما كانت منطلق إشعاع للنور، ومنهل عطاء للوطن والإنسان، وتعزيز الدور الاعلامي والتسويقي لها، وتوفير بيئات إعلامية للاستفادة من القيمة المرتجعة من الندوات والمحاضرات المنفذة، وتغطيتها بصورة مباشرة ونشرها لتعم بها الفائدة، وتيسير عملية نقل شعائر صلاة الجمعة وتدوير بثها المباشر بين مختلف الجوامع والمساجد، هذا الأمر من شأنه أن يقدم نماذج عمل قادمة حول الحاجة إلى عمليات التوسع في الجوامع والمساجد ومتطلبات الصيانة الدورية لها، وتقنين ومتابعة بنود الصرف المالي، وحماية مواردها من العبث بها، كما يضمن أيضا المحافظة على سرية البيانات ومنع تداولها إلا فيما يسمح به القانون وإيجاد قاعدة بيانات مركزية لتسهيل برامج التثقيف والتوعية والتوجيه ونشر التعليمات الرسمية، وإيجاد المسابقات التنافسية بينها، وربط هذه السيرفرات بعمليات متابعة ومراقبة مركزية ليسهل تحديد أي خلل وكشف أي خطأ أو عطل ناتج عن اهمال أو سوء إدارة أو غيرها.
وعليه فإن تفعيل هذه التوجهات في المستقبل ومتابعتها عبر آليات واضحة واستراتيجيات تتخذها الجهات المختصة بالوزارة، سوف يسهم في تحقيق تحولات على مستوى الأداء والممارسة والاستفادة الدائمة من الجوامع والمساجد كبيئات للتعليم والتثقيف والتدريب وغيرها، بما يمكن أن يتيحه للباحثين وطلبة الدراسات العليا من فرص الدراسات التقييمية لدور المسجد في استراتيجيات التنمية والأبعاد التوعوية والتثقيفية واستراتيجيات العمل، فمع التأكيد على البعد الاستراتيجي الذي يحمله هذا التوجه، والبدائل التي يتيحها في سبيل ضبط السلوك الحاصل أو التعامل مع بعض التحديات الماثلة وفق أطر مقننة، كإدارة الموارد وحماية الممتلكات والمحافظة على سلامتها واستدامتها من العبث، ورصد دقيق لكل المؤثرات السلبية التي برزت في ظل سوء استغلال مساحات المساجد، وحالات السرقة، ورصد ومنع حالات التسول وغيرها، ، إلا أن التعامل مع التقنية عامة، وأنظمة الأمن المعلوماتي والاجهزة الالكترونية بشكل خاص، يتطلب إدراك القائمين على هذه الجوامع والمساجد ومدارس القرآن الكريم لهذه الموجهات، وتوفير برامج التدريب المناسبة، وصقل مهاراتهم في التعامل مع الأجهزة والسيرفرات، وكيفية التعامل مع البيانات والمعلومات، ودراستها وتحليلها وتوظيف التقارير المعتمدة بشكل يخدم جودة الأداء، وتفعيل دورهم في توعية المجتمع وتثقيفه بالقيمة المضافة المتحققة من هذا التوجه.
إننا جميعا شركاء في المسؤولية الأمنية وفي تحقيق أهدافها وبلوغ غاياتها، وإن ما اتجهت إليه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ومؤسسات الدولة جميعها، من مبادرات وخطط ومرئيات في إطار تشخيصها للحالة الأمنية وترسيخها للسلوك الآمن ، وخلق حوارات مع الشركاء والمستهدفين في تبنيهم لهذه النهج ، وفق أطر مقننة ومنهجيات عمل واضحة مستفيدة من فرص العالم الافتراضي وتمكين التقنية وتوجيهها نحو بناء منظومة الأمن والاستقرار، وفرص السعادة؛ إنما يعكس رؤية استباقية قائمة على قراءة تشخيصية تحليلية للواقع واستشراف استراتيجيات التطوير في قطاعات التنمية الوطنية، إنها تعبير عن مسارات الوعي الأمني والسعي إلى بناء شراكات أكثر جدية، منطلقة من ضمير الإنسان وسلامة فكره وعقيدته ورقي أخلاقه التي تبنيها الجوامع والمساجد وتهذّبها المدارس والجامعات وتصقلها الخبرة والتجربة والممارسة لعُمان ، السلام والأمان.