تحقيق: القيادة بدون رخصة.. جريمة يدفع ثمنها الأبرياء
ياسر البادي : القيادة منذ الصغر أمر دارج في محيط الأسرة
عائشة: أصبت بشلل نصفي بسبب هذه الظاهرة
عهود : جشع المدربات أحد الأسباب
بخيت الشبلي : يجب تكاتف مؤسسات المجتمع للوقوف ضد هذه الظاهرة
مصدر أمني: الرقابة موجودة والعقوبات سارية
تحقيق: مريم البادية
لم يكن يخطر ببالها يوما أن تنهض من نومها وهي حبيسة كرسي متحرك، لا تقوى على المشي،وآخر يضع طفله بين التراب جراء لحظة طيش،سمح فيها لأبنه الذي لم يتجاوز العاشرة بقيادة مركبة دون ادراكه لعواقبها،انتهت به إلى فقد حياته.
مشهد يتكرر سنويا بسبب شباب لا يملكون رخصة القيادة خاصة في فترات الإجازة الصيفية،مما يشكل تهديدا مباشرا على سلامتهم وسلامة غيرهم من مستخدمي الطرق وعلى الممتلكات العامة والخاصة.فما أسباب ذلك؟ وكيف يمكن الحيلولة ضد تنامي هذه المشكلة التي ينتج عنها ضحايا كثيرون؟على الرغم من منع حيازة المركبة بدون رخصة قيادة من الإدارة حسب المادة رقم 21 من قانون المرور العماني.
الضحايا الأبرياء يتحدثون
عائشة ذات الخمس وعشرين عاما اصيبت بشلل نصفي بسبب حادث سير لشخص لم يتجاوز السابعة عشر من عمره، بينما آسيا فقد أصيبت بجروح بليغة لذات السبب مما أضطرها إلى تأجيل سنة من دراستها.
وتذكر أم محمد بحرقة أن أبنها توفى وهو في سن السادسة عشر في حادث سير بسبب تشجيع من أصدقاء المدرسة على ممارسة التفحيط وفي أثناء ذلك انقلبت السيارة عدة مرات مما أدى إلى وفاته بينما أصيب زميله الذي كان برفقته بإعاقة دائمة.
المركبات والقيادة في الطرقات بين اتباع القانون وبين مخالفته مسألة يراها المجتمع بمنظوره الخاص وللناس فيها آراء مختلفة قد تتفق مع القانون وقد تختلف، كذلك هو الحال في مسألة قيادة المركبة بدون رخصة، فما هي أسباب هذه الظاهرة .؟
غياب الرقابة
ويقول ياسر البادي،12سنة: قيادة السيارة منذ الصغر والبراعة فيها أمر دارج في محيط الأسرة، لإنجاز بعض متطلبات المنزل بحكم عيشنا في قرية نائية تكون بعيدة عن الرقابة المرورية، وكذلك لإشباع رغبات النفس في الشعور بمعنى الرجولة ولمنافسة الأصدقاء في القيادة خاصة في وقت الفراغ أيام العطل الصيفية .
افتقاد البديل
أما أم عمر فتقول: كانت بدايتي مع القيادة في محيط الحي الذي أقطن فيه وعندما تمكنت قليلا من الالمام بمهارات القيادة أصبحت أقودها داخل الأحياء المحيطة للذهاب إلى السوق وكذلك المستشفى عندما لا يكون ولي الأمر موجودا فأضطر إلى الذهاب بنفسي وانجاز بعض الأعمال الضرورية خارج المنزل.
سلطة معلمي القيادة
عهود سعيد:على الرغم من أنني قطعت شوطا كبيرا في استخراج رخصة القيادة،وشارفت على الوصول إلى المرحلة الأخيرة من اختبارات القيادة إلا أني واجهت جشع شديد من قبل المدربات حيث طلب مني مقابل اختباري على الشارع فقط ما يناهز 480 ريال عماني وهو ذات المبلغ الذي يتم أخذه على المتدرب المبتدئ،وكذلك هناك هضم لحقوق طالب الرخصة عندما يلجأ إلى التعليم بالساعات حيث يتم تدريب 2-5 متدربات في آن واحد،وتوافقها الرأي أم مارية فتقول:سابقا كانت تكلفة استخراج الرخصة لا تتجاوز 200-300 ريال بينما الآن ارتفع كثيرا،فالعقد يصل إلى 450 ريال، فعدم وجود قوانين ضد هؤلاء يجعلهم يتحكمون بالمتدرب،فأين هي الرقابة على ذلك؟ ويناصرهم أبو حمد الذي لم يستطع اخراج رخصة القيادة حتى الآن بالرغم من محاولته عدة مرات وهو الآن في السابعة والثلاثون من عمره ويقول:قدمت للأختبار مرات عديدة ولكنني أرسب في كل مرة،لذا سئمت من كثرة المحاولة وتزايد التكلفة في كل مرة جعلني ألجأ إلى القيادة بدون رخصة، وقضاء مشاويري من بلدتي إلى مسقط من خلال استخدام طرق تكون بعيده عن دوريات المرور حتى لا أقع في المخالفة المرورية.
ملئ الفراغ
ومن جهته قال المستشار التربوي والأسري الاستاذ بخيت الشبلي:القيادة بدون رخصة ظاهرة سلوكية تكثر عند فئة الأحداث(المراهقين)وتمثل انعكاس لما يمر به من نمو نفسي فسيولوجي.ويلجأ إليها لتلبية حاجاته النفسية ومحاولة تقليد الكبار والشعور بالرجولة وحب الاستكشاف والتجربة وكذلك اظهار قوة التحدي والتفاخر بين الأقران.ويؤكد الشبلي على أن الفتوة والفراغ ووفرة المال جميعها تجعل من الشباب يسلكون مثل هذه المسالك،فإن لم يملئ الفراغ في الاجازات بما ينفع الشباب من هوايات فلا شك أنه سيملئها بأي شيء يراه الشباب يزيل عنه الرتابة والملل،فالشباب يريد أن يفرغ الطاقة المشتعله داخله خاصة في تجربة الشي الجديد والمثير،والأسرة هي حجر الأساس في ذلك،فالتي تهتم بأبنائها وتراقب سلوكهم وتعرف من يصاحبون ولا تدفع بهم على مغريات العصر أو تكثر عليهم اغداق الأموال ولا يوجد بها تفكك وتنافر خاصة بين الزوجين،فغالبا ينشأ الأبناء في توازن سلوكي جيد ووعي وإدراك عالي،ومن ثم تقل لديهم هذه التصرفات،وعن الاثار التي تحدثها هذه الظاهرة يقول الشبلي:تؤدي إلى انتشار التفحيط في المجتمع،وقيام بعض المراهقين إلى سرقة السيارات دون علم أصحابها،وازعاج الناس.
أبرز القضايا
اجمعت مصادر أمنية من إدارة المرور: أن اغلب الذين تم ضبطهم وهم لا يحملون رخصة القيادة في المرحلة المتوسطة والثانوية وتتراوح أعمارهم بين 15سنة إلى أقل من 24سنة ويظهر في فئة الرجال أكثر من النساء،ونادرا ما قيدت دعاوي في المرحلة الابتدائية. وقال محامي رفض الإفصاح عن اسمه: أبرز القضايا التي وصلتنا بخصوص هذا الموضوع هي حادثة وفاة امرأة واثنتين من بناتها في شهر رمضان من عام2006من قبل شخص لا يحوز على رخصة، وفي الواقع تسجل سنويا عشرات الحوادث نتيجة القيادة بدون رخصة.
دور شرطة عمان السلطانية
صرح محمد الصبحي من شرطة عمان السلطانية قائلا: إن الدور الأمني في الرقابة المرورية حاضراً و ملموساً وشاهداً للعيان وخير برهان على ذلك المؤشرات الاحصائية والتي تشهد للسنة الثالثة على التوالي انخفاضا ملحوظاً عما كان في السابق (2012) حيث انخفضت الحوادث المرورية بنسبة 26% وكذلك الاصابات بنسبة 21% والوفيات بنسبة 48% بالرغم من الزيادة في عدد المركبات وعدد الحاصلين على رخص السياقة وزيادة أطوال الطرق, وهذا نتيجة مضاعفة جهود الرقابة والتوعية المرورية والمتابعة المستمرة من القيادة الموقرة حيث أولت بالغ الاهتمام لهذا المرفق الحيوي .
أما عن العقوبات فيقول الصبحى : المادة رقم 130 من اللائحة التنفيذية لقانون المرور حددت آلية التعامل مع حالات سياقة مركبة دون الحصول على رخصة سياقة وهي توقيف الشخص المخالف لمدة 48 ساعه وحجز المركبة لمدة أسبوعين .
ويؤكد مصدر أمني آخر بقوله: أن جهاز الشرطة هو سلطة تنفيذية وليست تشريعية، بمعنى أنها تقوم بتنفيذ القوانين التي تم اقراها في الدولة ومن ثم عقوبة قيادة المركبة بدون رخصة تختلف باختلاف الاضرار الناتجة مثل حبس الشخص أو غرامته. وقد أضاف النقيب(أ.ن):أن الدور الأمني لجهاز الشرطة هو اختصاص أصيل تمارسه وحدات شرطة عمان السلطانية وتظل ساهرة لتطبيق القوانين وحماية منجزات الوطن،وأضاف في هذا الصدد هناك التحفظ الأمني لمدة يومين مع حجز المركبة لمدة مماثلة وتغريم من سمح له بأخذ المركبة إذا لم يتم ضبط الجاني في حالة وقوع حادث مروري،ويتم احالته للقضاء عند تكرار الحادثة ووجود الاصابات.
أما عن مدربي القيادة فيقول: يخضعون لرقابة مستمرة ويتم الحاقهم بدورات تساعدهم على القيام بأعمالهم على أكمل وجه والمنافسة موجودة، ويضيف عن تراخيص التدريب بقوله: يتم منحها لمن استوفى جميع الشروط، والتدريب يتم بالاتفاق مع الطرفين،وإذا أخل طرف بالعقد يتم احالته إلى الجهات المختصة.
تكاتف مؤسسات المجتمع
تقوم إدارة شرطة عمان السلطانية في مختلف المحافظات بنشر الوعي وثقافة المرور من خلال الندوات والدورات التي تقيمها لا سيما في المدارس بالتعاون مع العديد من الفرق التطوعية.
من جانبه يقول الأستاذ بخيت الشبلي : للحد من أي ظاهرة اجتماعية يجب أن تتكاتف مؤسسات المجتمع فيجب أن لا نلقي المسؤولية على جهة واحدة مثل الأسرة أو المدرسة،بل يجب أن تجتمع الأسرة ووزارة التعليم متمثلة في المدرسة ووزارة الإعلام والمؤسسات القانونية والرقابية مثل شرطة عمان السلطانية للحد من هذه الظاهرة.
ويضيف: كل واحد له دور فالمدرسة يتمثل دورها في رفع الوعي لدى الطلاب، بينما الأسرة فيتمحور دورها في مراقبة أبنائهم، بينما المؤسسة القانونية فتقوم بوضع قوانيين صارمه لكل من تسول له نفسه أن يخترق هذه القوانين لأنها تؤدي إلى حوادث والحافظ على الروح من أسمى ما جاءت به الشريعة الاسلامية، وأخيرا وزارة الاعلام يتمثل دورها في بث مستجدات ادارة المرور، ورفع مستوى وعي المجتمع بنشر مخاطر هذه الظاهرة عبر وسائلها المختلفة.
بينما المصدر القضائي فيقول: هناك عدة حلول نوقشت وطرحت على الرأي العام عبر الجرائد وأهمها تعديل السن القانوني للحصول على رخصة القيادة لتكون من 16 سنة على أن يتم مراقبته سنويا لحين بلوغه في سن25 عاما.
أما من منظوري الخاص فأرى بأن هناك ضرورة ملحة في العمل على استغلال طاقات هؤلاء الشباب خاصة في أوقات العطل الصيفية، بدخول المراكز الصيفية المنتشرة في كل مكان،فقد حرصت الدولة على ايجاد مثل هذه المراكز لاكتساب الفائدة من تعلم بعض المهارات والمشاركة في النشاطات والفعاليات التي تقدمها هذه المراكز.