المقالات

الصدمة الاوروبية والدرس المستفاد

بقلم : إبراهيم عطا

سمعنا الدول الاوروبية تقول انها تعيش حالة صدمة بسبب التغيير الجذري الذي طرأ على سياسة واشنطن (الترامبية) في موضوع الحرب الروسية على اوكرانيا.

ولكننا نسالهم لماذا الصدمة يا سادة اوروبا وهذه ليست المرة الاولى، ولن تكون الاخيرة، التي تغدر فيها الولايات المتحدة الإرهابية بحلفائها ولا تأخذ مصالحهم ومواقفهم في الحسبان؟، ولكم الكثير من التجارب، وآخرها عندما قام بايدن بسحب قواته بشكل مفاجيء من افغانستان ولم يبلغكم يا “حلفاء”، تاركا قواتكم وقادتكم بحالة صدمة وتخبط وتململ.

أما الصدمة الفعلية بالنسبة لنا فقد كانت قبيل وعند اندلاع الحرب في اوكرانيا عندما سمعنا اوروبا “العظيمة بتاريخها وحضارتها” تقول للكاوبوي “سمعا وطاعة يا سيدي” وانساقت وراءه بشكل أعمى، معلنة المواجهة الشاملة مع الجارة العظمى، من خلال فرضها شتى أنواع العقوبات التي كانت تحددها الولايات المتحدة نفسها. الم تكن تدري اوروبا حينها انها كانت تضحي بمصالحها وبعلاقتها، حين فكرت ان “ماما امريكا” تعرف مصالحها اكثر منها نفسها، وانها تحرص دائما على حمايتها من البعابع الروسية والصينية والاسلامية، وغيرها من الشماعات التي تستخدمها واشنطن لاخافة وإبتزاز الاخرين.

اعتقد ان الصورة كانت واضحة ومنذ بداية الازمة، واستوعب الجميع ان الولايات المتحدة الارهابية كانت تفكر بمصالحها فقط عندما قررت وضع هذا الاسفين بين روسيا والقارة العجوز، والعمل على وضع حد للتقارب السياسي والاقتصادي المتنامي مع دولها، وخاصة مع المانيا التي سرعان ما سقط مستشارها شولتس في الفخ الامريكي فسارع الى تغليب مصالح “ماما امريكا” على مصالح بلاده، وكان سباقا في تقديم المساعدات المالية والعسكرية السخية لكييف ارضاء للسيد الامريكي.

ربما تشعر الدول الاوروبية بالصدمة الان لان العم سام أوصلها لمنتصف البئر وقطع الحبل بها، حيث تراجع عما كان يرفعه من شعارات معادية لموسكو، ودعوات متكررة لتصعيد المواجهة معها والعمل على هزيمتها وتدفيعها ثمن غزوها لاوكرانيا، ليسير اليوم باتجاه معاكس كليا ويعلن استبعاد اوكرانيا من مفاوضات السلام، ويصل به الامر الى اتهام زيلينسكي بانه دكتاتور وانه المتسبب بهذه الحرب المستمرة لثلاث سنوات، والتي ادت الى خسائر مالية كبيرة لامريكا تقدر بحوالي نصف تريليون دولار يطالب ترامب اليوم باسترجاعها من خلال الاستحواذ على مخزون اوكرانيا من المواد النادرة.

وبرأيي ان اوروبا تعيش الان حالة ما بعد الصدمة، وهي حالة تخبط وضياع وتشتت تبحث خلالها عن طريقة لحفظ ماء وجهها بعد ان تحولت الى قارة مسلوبة القرار، وذلك من خلال تصريحات وردود مشتتة، وعبر التوجه الى الامم المتحدة، أو بالهروب الى الامام من خلال فرض المزيد من العقوبات على روسيا واعادة التاكيد على ضرورة الوقوف مع اوكرانيا، والمطالبة على الاقل باشراكها في محادثات السلام، ولكن اغرب حالات التخبط هو ما توصل اليه الرئيس الفرنسي مؤخرا حيث صرح انه سيشرح لترامب الاسبوع القادم ان مصالحه تكون مع الحلفاء الاوروبيين، مضيفا انه سيطلب منه ألا يضعف أمام بوتين خلال القمة التي سيعقدانها قريبا.

واذا كانت القارة العجوز مصابة بالزهايمر ولا تأخذ الدروس والعبر، نتمنى من حكامنا العرب المجتمعين اليوم في السعودية لصياغة خطة بديلة لخطة التهجير الترامبية، ان يستفيدوا من تجربة اوروبا وأن يضعوا مصالح الشعب الفلسطيني وشعوبهم فوق كل الاعتبارات، بما فيها تحالفاتهم مع واشنطن التي قد تعصف بها الهستيريا الترامبية في أي لحظة.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق وربما نوجهه ل “مستر ترامب” بالتحديد هو اذا كانت اوكرانيا والمتهور زيلينسكي قد كلفا الخزينة الامريكية نصف تريليون دولار خلال ٣ سنوات، فكم قد تكون كلفتها “مستعمرة اسرائيل” والمجرم النتنياهو منذ قيام هذا الكيان الغريب قبل ٧٥ عاما حتى يومنا هذا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى