الفساد القانوني
بقلم: مسلم بن احمد العوائد
عرّفت منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه: “إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق منفعة شخصية أو مكاسب خاصة”. وقد توافقت المؤسسات الأمُمية والعلمية والاجتماعية على هذا التعريف، مع اختلاف بسيط في الألفاظ والصياغة.
الفساد القانوني هو أخطر أشكال الفساد، حيث تُستغل المناصب العامة لتحقيق مكاسب شخصية او فئوية، ولكن وفق القانون! .كيف؟ من خلال استغلال النفوذ الوظيفي والتلاعب بالثغرات القانونية، وخاصة الاستثناءات الممنوحة للمنصب.
من أمثلته: المحسوبية في التوظيف والترقيات، ومنح التصاريح لفئة معينة وحرمان أخرى، والرشوة المقنّعة (الهدايا والهبات)، كذلك تجاهل الأحكام القضائية الصادرة لصالح موظف، ورفع تقارير مجحفة ضد جهة لدعم جهة أخرى او ضد شخص لصالح آخر، ومن ذلك ايضا منح عقود ومناقصات وهمية لتعديل الوضع المالي للأصحاب.
هذا قبل…
اما بعد…
الفساد القانوني يُعد تهديدا جوهريا للأمن الشامل، لأنه يعرقل تحقيق اهداف خطط التنمية المستدامة، حيث لن تتمكن أي رؤية أو استراتيجية تنموية من تحقيق مستهدفاتها ما دام الفساد القانوني متأصلاً كثقافة وظيفية، وانعكاس ذلك سلبا على المجتمع. ومن الأمور التي تُكرِّس الفساد القانوني، تعيين قيادات ضعيفة في مناصب مهمة، دون مراعاة الشروط القانونية، تجد، على سبيل المثال، حامل شهادة دبلوم يشغل منصب مدير عام أو مدير عام مساعد، وهكذا دواليك، وهم في الواقع “كأنهم خشب مسندة”، أبرز مهاراتهم، إجادة التصفيق والتبرير والتملق. ومن ذلك ايضا تشكيل لجان تحت ستار المصلحة العامة، يتم اختيار اعضائها بعناية، بعض هذه اللجان تُعرف بلجان “الاقصاء”، لو تقدم لها افضل علماء الذرة أو حتى حاملو جائزة نوبل مئة مرة – وهم ليسوا “من الأصحاب” – فستكون النتيجة دائمًا: ” نعتذر ونتمنى لكم حظًا أوفر في المرات القادمة”. لهذا، لا تتقدم إليها الكفاءات والقدرات الصادقة، لأن النتيجة محسومة سلفًا. يُفسّر بعضهم الإقصاء على أنه محاولة لزعزعة الثقة بين بعض مكونات المجتمع والسلطات العليا.
اخيرا…
يقال ان من اهم اسباب الفساد القانوني: ضعف الرواتب، و الفقر، والظلم والإحباط والقهر، و نشوة سلطة الطائفيه والحزبية، ومنها ايضا التقارير الإعلامية التي لا تبرز الواقع، بل عكس الحقيقة تماما، متجاهلين قوة وقدرة الذكاء الاصطناعي والتقنيات الاخرى في توفير الخبر بالصوت والصورة في حينه. وكذلك الاصرار – عن طريق اللجان – على منع اهل الصلاح والاصلاح والكفاءات الوطنية، من المساهمة في توعية المجتمع وخاصة الشباب بخطر التحولات الفكرية والتقنية والاقتصادية على أمن واستقرار اوطانهم.
ختاما..
الفساد القانوني هو العدو الأول لهيبة المؤسسات، وخاصة الرقابية، و الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والأمنية، والدينية، فإذا زالت هذه الهيبة زالت الثقة التامة بين الشركاء المحليين والإقليميين والدوليين.
لذلك يجب ان يخضع تعيين الموظفين في المناصب المهمة بشكل عام، وموظفي الأجهزة الرقابية بشكل خاص، لإجراءات ومعايير دقيقة، لضمان اختيار الكفاءات والخبرات الأمينة. إن هذا الإجراء الوطني سيسهم في تحقيق أهداف خطط التنمية المستدامة، وكسب ثقة الشركاء، وإنقاذ المجتمع من جميع أشكال الفساد، ومن أخطرها الإقصاء، وهو الخطر والدمار.
يقول ابن خلدون رحمه الله :
“العدل إذا دام عمّر، والظلم إذا دام دمّر” . وقال رسول الله ﷺ: “من حلف على يمين وهو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان”.
فطوبى لمن وفى بقسمه، وويلٌ ثم ويلٌ ثم ويلٌ لمن خان عهده وأخل بقسمه.