أخبار العالم

ماذا يعني سقوط الأسد لروسيا في الشرق الأوسط؟

وهج الخليج – وكالات

يرى المحلل الأمريكي توماس جراهام أن السقوط المذهل للرئيس السوري بشار الأسد قلب سياسة روسيا في الشرق الأوسط رأسا غلى عقب. فقبل أقل من عقد، تدخلت روسيا بحسم في الحرب الأهلية السورية وتحالفت مع إيران وحزب الله اللبناني لإنقاذ الأسد من قوات المتمردين التي كانت تتقدم صوب دمشق وغيرها من المراكز الحضرية الحيوية وساعدته في استعادة السيطرة على ثلثي البلاد. وعزز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سمعته في منطقة تحترم القوة والولاء. وجاء دعم بوتين القوي للأسد، وهو حليف قديم، في تناقض صارخ مع تخلي الولايات المتحدة عن شريكها المقرب الرئيس المصري حسني مبارك خلال الربيع العربي.
وقال جراهام، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في تحليل نشره المجلس، إن بوتين يواجه الآن كارثة استراتيجية محتملة وتداعيات واسعة النطاق ليس فقط لروسيا ولكن بالنسبة له أيضا بشكل شخصي. ويعد النجاح في الخارج مهما للغاية لشرعية أي حاكم روسي. وبالطبع، ساعدت إعادة تأكيد بوتين على امتيازات روسيا على الصعيد العالمي في الربع قرن الماضي على تعزيز ما يخظى به من دعم نخبوي وشعبي. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعله، على الرغم من الخسائر الكبيرة التي تكبدها في الجتود والعتاد، يواصل إصراره على أن روسيا ستحقق جميع الأهداف التي وضعها عندما شن الهجوم العسكري على أوكرانيا في فبراير 2022. ولن يختلف نهجه إزاء التحديات الاستراتيجية في الشرق الأوسط، حيث سيواصل الاصرار على وجود روسي قوي في المنطقة.

ويقول جراهام كبير مديري إدارة روسيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي في إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن إنه في الأعوام الأخيرة، عززت تصرفات بوتين في الشرق الأوسط مكانته هناك. فقد جاء إنقاذه للأسد في عام 2015 مع خطوات أخرى استهدفت زيادة دور روسيا في منطقة كانت قد تخلت عنها بشكل كبير في نهاية الحرب الباردة. واستغل بوتين غضب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من الغرب بسبب الدعم الفاتر له خلال محاولة الانقلاب التي تعرض لها في عام 2016، ليعيد بناء العلاقات مع تركيا. وتعاون مع السعوديين في عام 2016 أيضا لإطلاق تحالف الدول المصدرة للنفط أوبك بلس (أوبك +) لتنظيم أسواق النفط الدولية. وفي عام 2018، اقترب من إيران بشكل أكبر بعد انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي متعدد الأطراف مع طهران وأطلقت حملة الضغط الأقصى. وواصل تعزيز العلاقات مع إسرائيل. وتفاخر الروس بأنه لا يمكن حل أي مشكلة في الشرق الأوسط بدونهم.
ويرى جراهام أن سمعة روسيا في الشرق الأوسط بدأت تتراجع بعد الهجوم على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023. فقد ركز بوتين على دعم الولايات المتحدة الثابت لعملية إسرائيل الوحشية في قطاع غزة للفوز بدعم الجنوب العالمي. وحقق دعم روسيا الثابت لحركة حماس مع تزايد الخسائر بين المدنيين نتيجة جيدة في العالم غير الغربي وكذلك دعمها لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التي تدين إسرائيل وتدعم وقف إطلاق النار والتي استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضدها. ولكن الأكثر أهمية، هو أن الصراع في المنطقة أكد مدى ضآلة الدور الذي يمكن أن تلعبه روسيا فعليا، حيث لم يلجأ أحد إلى موسكو من أجل التوصل إلى حل للصراع وتحولت كل الأنظار إلى واشنطن. حتى أن الصين تدخلت ولعبت دورا دبلوماسيا أكثر براعة من روسيا وهو تحقيق التقارب بين إيران والسعودية. والآن حدثت النكسة المذهلة المتمثلة في سقوط الأسد.
ويقول جراهام إن اهتمام روسيا الفوري ينصب على إنقاذ قواعدها العسكرية الاستراتيجية في سوريا، والمنشأة البحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية. وتكتسب هذه القواعد أهمية كبيرة لقدرة روسيا على استعراض قوتها في الشرق الأوسط، حيث أنها ترسخ وجود روسيا في شرق البحر المتوسط وتخدم كمركز لوجستي لدعم العمليات الروسية في شمال أفريقيا، بما في ذلك المتعاقدون العسكريون في ليبيا ومنطقة الساحل. ويرى العديد من المراقبين، ومن بينهم مدونون عسكريون روس مقربون من وزارة الدفاع الروسية أن روسيا لن يكون أمامها خيار التخلي عن تلك القواعد بعد الإطاحة بالأسد وانتصار القوات الإسلامية التي قضت فترة طويلة من العقد الماضي تحاول القضاء عليها.
وقال جراهام إن الوضع لا يزال غير مستقر، حيث أن القوات التي أطاحت بالأسد تتكون من العديد من الفصائل المتنافسة التي تعمل في العديد من أجزاء البلاد. وهناك فترة طويلة قادمة من عدم الاستقرار، ولم تفقد روسيا كل أوراق اللعب التي يمكن أن تستخدمها.
وبعدما اتضح أنه من المرجح أن يتغلب المتمردين سريعا على قوات الأسد، غيرت موسكو خطابها بشكل جذري. وبدلا من الاحتشاد ضد قوات المسلحين، بدأت الدعوة إلى إجراء حوار بين كل القوات كجزء من عملية سياسية تنهي القتال. وعلى الرغم من دعمها الخطابي للأسد، لم تقدم روسيا حقا دعما عسكريا كبيرا ضد المتمردين، ربما بعدما أدركت الضعف القاتل لقوات الأسد المحبطة والتي أفرغها الفساد. وعلى الرغم من أنها زعمت عكس ذلك، يبدو أن موسكو لعبت دورا محوريا في إقناع الأسد بالتنحي والفرار من البلاد. والدليل على ذلك، أن وزارة الشؤون الخارجية الروسية – وليس مصدرا سوريا مسؤولا- هي التي أعلنت عن قرار الأسد وسافر الرئيس السوري إلى موسكو للحصول على اللجوء السياسي. وعلى أقل تقدير سيحاول الكرملين أن ينسب لنفسه الفضل في تسهيل سيطرة المتمردين على دمشق بالحد الأدنى من سفك الدماء.
وأشار جراهام إلى أن تركيا تظل داعما كبيرا لقوات هيئة تحرير الشام التي سيطرت على دمشق ويبدو أنها الفصيل المهين في الوقت الراهن. وقد تستغل أنقرة نفوذها لإقناع هيئة تحرير الشام بالسماح ببقاء الروس في سوريا لأسبابها الخاصة. فقد ترى ميزة في استمرار الوجود العسكري الروسي لموازنة النفوذ الإسرائيلي والوجود الأمريكي حال تراجع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عن تعهده بسحب الفرقة الأمريكية الصغيرة من شرق سوريا.
وربما يأمل اردوغان في أن يعزز العمل مع موسكو وضعه ضد الأكراد في شرق سوريا، الذين يحظون بدعم أمريكي مستمر. وفي أي حال من الأخوال، كان مصير القواعد العسكرية الروسية موضوع حوار بين الأتراك والإيرانيين والروس الذين التقوا على هامش مؤتمر دولي عقد في العاصمة القطرية الدوحة في الأيام الماضية لبحث الوضع في سوريا.
واختتم جراهام تحليله بالقول إنه في ظل الفترة الراهنة التي تتسم بعدم اليقين، سيكون من السابق لأوانة التوصل إلى استنتاجات واسعة النطاق بشأن وجود روسيا في سوريا والشرق الأوسط بشكل أوسع. وهناك شيء مؤكد وهو أن بوتين لن يتخلى ببساطة عن القواعد العسكرية الروسية في سوريا ولن يقبل بهدوء نكسة استرتيجية كبرى، لأن هذا لن يتسبب فقط في تآكل سمعة روسيا كقوة عظمى ولكن أيضا في تقليص مكانته السياسية داخل روسيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى