المقالات

رجل الصفقات أصبح رئيسا لأمريكا للمرة الثانية

بقلم:جمال بن ماجد الكندي

دونالد ترامب الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر 2024م. وحسب المراقبين، كان انتصارًا حاسمًا بفضل فوزه في الولايات المسماة “المتأرجحة”، وهي ليست زرقاء ديمقراطية أو حمراء جمهورية، بل تتغير بتغير المعطيات السياسية والاقتصادية وأجندة المرشح الانتخابي.
استطاع ترامب اللعب على هذا الملعب، واستغل ما فعله الديمقراطيون في غزة ولبنان، فأبعد أصوات المسلمين والعرب عن الحزب الديمقراطي ومرشحته، وقدَّم وعودًا بإنهاء هذه الحرب، فذهبت الأصوات إلى الجمهوريين وحزب الخضر نكايةً بما فعله الحزب الديمقراطي. وربما كانت هذه من أخطاء الإدارة الأمريكية الحالية في تعاملها مع قضية غزة ولبنان والمجازر الكبرى التي تُرتكب هناك.
فن الصفقة هو كتاب صدر عام 1987، شارك في تأليفه رجل الأعمال والرئيس الأمريكي الخامس والأربعون “دونالد ترامب” مع الصحفي توني شوارتز. يُعد هذا الكتاب مزيجًا من السيرة الذاتية والنصائح العملية في مجال الأعمال والتفاوض. يستعرض الكتاب تجارب ترامب في عالم العقارات، بدءًا من نشأته وعمله في شركة والده، وصولًا إلى تطوير مشاريع بارزة مثل فندق “جراند حياة” وبرج “ترامب” في نيويورك. كما يشارك ترامب استراتيجياته في التفاوض، مؤكدًا أهمية معرفة السوق، واستخدام النفوذ، والقدرة على تحمل المخاطر المحسوبة.
من خلال هذا الكتاب، نفهم عقلية الرئيس السابق والقادم لأمريكا “دونالد ترامب”، فهي عقلية تجارية ذات أجندات مالية معروفة، تتعارض مع الاستنزاف المالي المستمر للخزانة الأمريكية بسبب حروب المنطقة. لذلك في حملاته الانتخابية، كان يقول إنه سوف ينهي الحرب الروسية الأوكرانية في أيام معدودة، بالطبع بطريقة التفاوض والمنفعة المشتركة، على عكس سلفه الذي يريد كسر الهيبة الروسية في حديقته الخلفية، دون النظر إلى قوة الخصم سياسيًا وعسكريًا، وحتى اقتصاديًا.
ببساطة “ترامب” صاحب عقلية تجارية، وعدو هذه العقلية هو من يستحوذ على السوق الأمريكي بمنتجاته الاستهلاكية، وقد قالها أكثر من مرة: عدونا الصين بتوجهاتها الاقتصادية، فالحروب الأمريكية غير المباشرة تُضعف الوجود الأمريكي في الساحة الاقتصادية داخليًا وخارجيًا، وتُمكِّن الصين من اعتلاء هذا الهرم الاقتصادي، بسبب دعم أمريكا المالي لأوكرانيا والشرق الأوسط وانشغالها عن الحرب الاقتصادية مع الصين.
من هنا، سنحاول محاكاة عقلية “ترامب” التجارية في التعامل مع إرث الأزمات العسكرية والسياسية التي سيرثها من سلفه “بايدن”، مع الأخذ في الحسبان أن هنالك قضايا ربما يتغير فيها التكتيك في التنفيذ، لكن تبقى الاستراتيجية واحدة، خاصة مع الكيان الصهيوني. فالحزبان الديمقراطي والجمهوري كلاهما مع أمن إسرائيل وتفوقها في المنطقة.
قبل الدخول في صفقات ترامب المرتقبة، ننوّه بأن هذه الرئاسة هي الأخيرة له، بمعنى أنه لن يترشح مرة أخرى؛ لأنه كان رئيسًا سابقًا قبل ولاية “بايدن”. وعادةً ما يتحرر الرؤساء الأمريكيون في ولايتهم الثانية من قيود وعود الولاية الجديدة، كما كان واضحًا في فترة أوباما الثانية. ربما تكون هذه النقطة عاملًا إيجابيًا لترامب لتنفيذ أجندته الاقتصادية، لذا سيَسعى لإنهاء الحروب في المنطقة بصفقات “رابح رابح”.
الحرب الروسية الأوكرانية: من أهم تصريحات ترامب بخصوص هذه الحرب قوله إنه “سينهيها في 24 ساعة إذا أُعيد انتخابه مرة أخرى، وأنه سيجلب السلام وينهي الدم الحاصل فيها”. وفي تصريح آخر له، كان يلقي اللوم ولو جزئيًا على الرئيس الأوكراني “زيلينسكي” في اندلاع هذه الحرب، وأنه كان بإمكانه منعها. هذه المعطيات تُثير قلق الرئيس الأوكراني والدول الأوروبية الداعمة له، فالكل ينتظر الطريقة التي سينهي بها الرئيس الأمريكي القادم هذه الحرب.
من هنا، سندخل في عقلية ترامب التجارية، وكتاب “الصفقة” هو عنواننا في بلورة ما سيحصل. فهذه الحرب تستنزف الموارد المالية الأمريكية والأوروبية؛ فهي تسببت في أزمة اقتصادية في أوروبا بسبب اعتماد القارة على مصادر الطاقة الروسية، وهذه الحرب تحرمها من هذه الموارد. وعلى الأرض، لم تحقق الحرب العزلة السياسية لروسيا كما كان متوقعًا من صُنّاع هذه الحرب، وعسكريًا أصبحت هزائم الجيش الأوكراني العنوان البارز في كل مواقع القتال مع الجيش الروسي، وفتح جبهة كورسك في الأراضي الروسية جاءت نتائجها عكسية، ومن يستنزف في هذه الجبهة هو الجيش الأوكراني ومن يدعمه. هذه الحقائق ستكون أقوى المعطيات للرئيس القادم في بلورة حل سياسي ينهي الحرب في أوكرانيا، ولكن كيف؟ ومتى؟ إجابة هذه الأسئلة عند الرئيس الأمريكي القادم.
الحرب في غزة ولبنان: هذه الحرب قائمة منذ أكثر من سنة، وخسائرها باتت واضحة في الجانب الفلسطيني واللبناني وداخل الكيان الصهيوني. تشارك في هذه الحرب جبهة المساندة اليمنية والعراقية مع دخول مباشر للجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال “الوعد الصادق (1)” و”(2)” وانتظار “الثالث”. هذه المعطيات ستكون في عهدة الرئيس القادم بعد عدة أسابيع، فكيف سيكون التعامل معها؟!
ربما يكون الداخل الإسرائيلي وعلى رأسهم “نتنياهو” ينتظرون بفارغ الصبر تولي “ترامب الرئاسة الأمريكية ليقضوا وبشكل تام، وبمساعدة أمريكية، المقاومة في غزة ولبنان، وعلى إيران نفسها. لكن السؤال البسيط الذي نسأله لأنفسنا: ماذا ستقدم الإدارة الأمريكية الجديدة مما لم تقدمه إدارة “بايدن” من أسلحة ودعم فني ولوجستي واستخباراتي ومالي، وتغطية في الأمم المتحدة لجرائم الكيان الصهيوني؟
كل هذه الأمور قدمتها إدارة “بايدن”، فما الجديد الذي سيقدمه “ترامب” للصهاينة؟ ربما إرسال جنود أمريكيين يقاتلون بدل الجيش الإسرائيلي في فلسطين ولبنان وحتى في اليمن، وطبعًا هذا الأمر سيخلق أزمة داخلية في أمريكا يدركها جيدًا ترامب، وهي ضد مبادئه المعلنة التي تقول “لماذا نحارب من أجل الغير من دون مقابل”. وربما فعل “ترامب” سيكون عكس التوقع الإسرائيلي وينهي هذه الحرب حسب الاتفاقات السابقة التي كان يفشلها “نتنياهو”. لا نستطيع الجزم بذلك، ولكن قد يتغير تعاطي الرئيس الأمريكي القادم في هذه الحرب، وسيسعى لإيجاد حل سلمي ينهي الحرب ولو كان بعكس هوى نتنياهو، المهم أن تكون في مصلحة المحافظة على الكيان الصهيوني واقتصاده المنهار بسبب الحرب، ومن هنا ستبرز شخصية “ترامب” الاقتصادية بعقد صفقة تنهي الحرب، وهو ما وعد به الناخبين الأمريكيين من أصول عربية وإسلامية.
المجابهة مع إيران: قبل معركة “طوفان الأقصى”، كانت المجابهة مع إيران عنوانها الملف النووي، ومن المعروف أن “ترامب” خرج من هذا الاتفاق بعد أن وقّعه الأوروبيون والأمريكيون في اتفاقية تُعرف باسم (5+1) مع إيران قبل رئاسته الأولى. اليوم، إيران تشتبك مع الكيان الصهيوني مباشرة عبر “الوعد الصادق الأول والثاني” وانتظار “الثالث”. الكل يتوقع أن وصول ترامب للرئاسة سوف يُعمِّق الأزمة مع إيران، وسيكون داعمًا قويًا لإسرائيل لدخول أمريكا في المشهد الحربي المباشر مع إيران.
قبل التعليق على هذا الأمر، نورد حادثة حدثت في عهد “ترامب” ولم يقع فيها اشتباك عسكري مباشر مع الإيرانيين، وهي عندما أسقطت الدفاعات الجوية الإيرانية طائرة تجسس أمريكية عملاقة من طراز “آر كيو 4 غلوبال هوك” في 20 يوليو 2019، حيث قال ترامب: “كانت هناك عملية عسكرية ضد إيران بسبب هذه الحادثة، لكنها توقفت قبل عشر دقائق، مبررًا أن إسقاط طائرة غير مأهولة لا يستدعي حربًا مع إيران”. يعني ذلك أنه تراجع عن الرد العسكري بسبب معرفته بالتبعات وراء أي تصعيد عسكري مع إيران وما يترتب عليه في المنطقة.
هذه العقلية التي ترفض الحرب مع إيران بسبب تداعياتها العسكرية والاقتصادية في المنطقة لا نعتقد بأن إسرائيل ستقنعها بخوض حرب واسعة ومباشرة مع إيران من باب حماية إسرائيل والقضاء على أكبر داعمي المقاومة اللبنانية والفلسطينية. عقلية ترامب الاقتصادية هي التي تمنعه من فعل ذلك لمعرفة تبعات الحرب وتأثيرها على واردات الطاقة التي تخرج من منطقة الصراع الإيراني الأمريكي الصهيوني. هذا السيناريو هو الأقرب لعقلية ترامب؛ فالصفقة مع إيران هي الحل المطروح بشرط عدم امتلاكها سلاحًا نوويًا، وما تريده إيران وحلفاؤها هو وقف الحرب في غزة ولبنان وكل شيء بعدها قابل للمناقشة.
ختامًا: الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب يريد العودة للداخل الأمريكي، فشعاره “الأمركة الأمريكية”، بمعنى أن الأولوية للداخل الأمريكي، وليست للزعامة العالمية أو دخول حروب من أجل الآخرين دون مقابل. عدوه الاستراتيجي هو من يغزو السوق الاستهلاكية الأمريكية، ومعركته معه ويريد التفرغ لهذه المعركة، والقضايا الأخرى التي طرحناها ينهيها بعقلية المفاوض التجاري السياسي وليس العسكري.
ربما هذا ما يميز الرئيس القادم “ترامب” عن أسلافه سواءً كانوا من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي. ما عرضناه هو تحليل لعقلية ترامب التجارية في إنهاء أزمات المنطقة، وقد نكون مصيبين أو مخطئين، والأيام القادمة هي كفيلة بإظهار ذلك.
في الختام، هناك مقولة تقول بأن الحزبين الديمقراطي والجمهوري وجهان لعملة واحدة، وهذا الكلام فيه كثير من المصداقية، لكن ربما التكتيك في تنفيذ هذه الاستراتيجية يختلف عند الحزبين، خاصة مع شخصية مثل “ترامب” فهي متقلبة المزاج، ولا تنسى بسهولة من وقف معها ومن وقف ضدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى