أخبار العالم

في ذكراها الأولى.. مبادرة ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا تتعثر بالصراعات الشرق أوسطية

وهج الخليج – وكالات

في العاشر من سبتمبر من العام الماضي تم توقيع مبادرة إنشاء ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا الاقتصادي على هامش قمة مجموعة العشرين في دلهي، كواحدة من أهم المبادرات الجيواقتصادية من أجل تسهيل حركة التجارة والاستثمار من الهند وحتى منطقة البحر المتوسط. فهذا الممر يربط بين مناطق المحيطين الهندي والهادئ والبحر المتوسط والمحيط الأطلسي ليشكل جسرا اقتصاديا مهما. ومع حلول الذكرى السنوية الأولى لإطلاق هذه المبادرة نشرت مجلة ناشونال إنترست الأمريكية تقييما لها بمشاركة 5 خبراء وهم موكيش أجي الرئيس التنفيذي لمنتدى الشراكة الاستراتيجية الأمريكي الهندي وكاوش أرها رئيس المنتدى الهندي-الهادئ الحر والمفتوح والزميل غير المقيم في المجلس الأطلسي ومعهد كراش للدبلوماسية التقنية، وكارلوس روا الزميل الزائر في معهد الدانوب والباحث المشارك في معهد السلام والدبلوماسية وفرانسيسكو تالو المستشار الدبلوماسي السابق لرئيس وزراء إيطاليا وأخيرا جيوليو تيرزي عضو مجلس الشيوخ الإيطالي ووزير الخارجية سابقا.


ويقول التحليل إن الهدف الجوهري لهذه المبادرة هو تحسين حركة التجارة والمواصلات العالمية من خلال ربط جنوب آسيا بالشرق الأوسط وأوروبا. وهي تشجع التكامل الاقتصادي بين المناطق الرئيسية من خلال إيجاد طرق أكثر فاعلية وأقل تكلفة لنقل السلع والطاقة والخدمات. علاوة على ذلك فهي تستهدف تقوية العلاقات السياسية والاقتصادية بين الهند والشرق الأوسط أوروبا، وهو ما يتيح تعزيز المرونة والاستقرار الإقليميين، في حين تتعثر المبادرة بسبب الصراعات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وبخاصة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتداعياته على الصراع بين إسرائيل وكل من إيران وحزب الله اللبناني و”انصار الله” في اليمن.
ورغم أن هذه المبادرة قد تبدو مسعى جديدا في إطار جهود التكامل والتعاون متعدد الأطراف، فالحقيقة هي أنها تستند إلى أساس موثوق به ألا وهو بعض أقدم وأهم طرق التجارة بين الهند وأوروبا، والتي يعود تاريخها إلى آلاف السنين. وقد أصبحت الهند أسرع الاقتصادات الكبرى نموا ومن المنتظر أن تصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم بنهاية العقد الحالي. هذا الصعود الكبير يجعل الهند لاعبا أساسيا في تعزيز التكامل الاقتصادي بين منطقتي المحيط الهندي والبحر المتوسط، ودفع الاهتمام والاستثمارات في المشروعات ذات الصلة.
ومن خلال الفهم التاريخي يظهر الدور الحالي والفرص المستقبلية التي يوفرها ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا الاقتصادي. فحركة التجارة بين الهند والبحر المتوسط تعتمد بشدة على قناة السويس، وستستمر هيمنة القناة على هذه التجارة لعقود قادمة. ولكن لا يمكن أن يكون هذا المصدر الوحيد للفشل. وسوف يزداد الطلب على التنويع وتعدد طرق التجارة بين الهند والبحر الأبيض المتوسط. وعلى هذا فإن ممرات النقل الجديدة التي ستظهر في المستقبل، ستربط دول الخليج برا عبر المملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل بالبحر الأبيض المتوسط. كما تطور تركيا والعراق خططا لإقامة طرق برية من الخليج العربي إلى أوروبا عبر منطقة الأناضول.
ويقول الخبراء إنه في ضوء تنوع وتعدد المصالح المرتبطة بها، يعتبر ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا الاقتصادي مبادرة حقيقية متعددة الأطراف، لا تخضع لسيطرة أي دولة واحدة. فالدول المؤسسة لها 8 من مجموعة الدول العشرين الكبرى وهي الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيطاليا وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ولكل دولة من هذه الدول مصلحة كبيرة في تمويل منشآت البنية التحتية المادية وغير المادية المطلوبة لدعم الشراكة الاقتصادية الصاعدة داخل حدودها. علاوة على ذلك فإن الدعم الدبلوماسي والاقتصادي والأمني الأمريكي القوي للمبادرة، يساعد في دعم الروابط بين المناطق الحرة والمفتوحة عبر مناطق المحيط الهندي والهادئ والبحر المتوسط والمحيط الأطلسي، ويخدم المصالح الأمريكية، في حين يحد من المرونة الاستراتيجية لخصومها.
وبعد مرور عام واحد على إطلاقها، حققت مبادرة ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا الاقتصادي تقدما متباينا. فعلى صعيد الأنباء الجيدة، قطعت كل من الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية خطوات كبيرة في تعزيز علاقاتها الاقتصادية الثنائية.
ففي عام 2022، وقعت الهند والإمارات العربية المتحدة اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة، للوصول بحجم التبادل التجاري بينهما إلى 100 مليار دولار سنويا بحلول عام 2027. ومنذ مايو 2022، زاد حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 4ر16% والمنتظر وصوله إلى 64ر83 مليار دولار خلال العام الحالي. وأصبحت الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند بعد الصين والولايات المتحدة.
وبالمثل تعمل شركة خدمات النقل الأمريكية العملاقة فيدإكس على الاستعداد للتوسعات المستقبلية لطرق النقل في ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا الاقتصادي. كما زاد حجم التبادل التجاري بين الهند والسعودية إلى أكثر من 50 مليار دولار سنويا لتصبح السعودية رابع أكبر شريك تجاري للهند. كما تعهدت الرياض باستثمار 20 مليار دولار لتطوير شبكة الطرق والسكك الحديدية داخل حدودها لدعم مبادرة الممر وتعزيز دروها الحيوي في نجاحه.
أما الأنباء السيئة فتتمثل في الحرب الدائرة في قطاع غزة إلى جانب التوترات المتصاعدة بين إسرائيل وكل من حزب الله اللبناني وإيران وهي ما تمثل تحديات كبيرة بالنسبة للمبادرة. علاوة على ذلك، فإن تحقيق السلام والاستقرار طويل المدى في المنطقة يرتبط بصورة وثيقة بالنشاط الاقتصادي والاعتماد المتبادل والرخاء المتزايد على امتداد طرق التجارة في ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا الاقتصادي. ويدرك اللاعبون الإقليميون هذه الحقيقة ويعملون على تحقيق ذلك بالتدريج.
ويرى الخبراء في التحليل الذي نشرته مجلة ناشونال إنترست أنه على أوروبا الولايات المتحدة إعطاء أولوية للمبادرة كمكون أساسي في أي مفاوضات سلام لحل الصراعات الحالية. كما أن اتفاقية التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية التي دخلت حيز التنفيذ حاليا، تحمل إمكانات كبيرة لتعزيز المبادرة بطريقة ملموسة. . بالإضافة إلى ذلك، فإن قطاعي أوروبا-الشرق الأوسط وأوروبا – الهند من الممر يبدوان متآخرين عن المسار العام للمبادرة، ويحتاجان إلى جهد أكبر لمواكبة التقدم الذي تحقق على صعيد قطاع الهند والشرق الأوسط.
أخيرا وبعد مرور عام واحد على إطلاقها يمكن القول إن مبادرة ممر الهند والشرق الأوسط وأوربا تنطوي على الكثير من الفوائد لكل أطرافها لكنها تحتاج إلى الكثير من الجهد للتغلب على ما تواجهه من تحديات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى