نهضة الدول وتعاقب الأجيال
بقلم : مسلم أحمد العوائد ” أبو خالد ”
تعاقب الأجيال سنة الله في خلقه، جيلٌ وأجيالٌ خُطط لها بدقة وصدق وإخلاص، لاستلام الخبرات وبناء الكفاءات والصروح العلمية والاجتماعية والاقتصادية، لتُبني حضارة تسود. ثم قد يخلفها جيل يُهمَل عمدًا أو جهلًا، فينتشر فيه الجهل والفقر والظلم، وهذا يهدم ولا يبني. فالأيام لا تثبت على حال، كما يقول الله تعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.
كم عمر الجيل؟
يُقدِّر ابن خلدون عمر الجيل بأربعين عامًا، ومنهم من قدَّره بـ33 عامًا، وهناك تقديرات أخرى في هذا الشأن. وعلى كل حال، يُقدَّر الجيل بعدد الأعوام فقط لحساب الأيام وكتابة التاريخ، أما العمر الحقيقي للجيل فيُقدَّر بالإنجازات الثقافية والعلمية والاقتصادية والمبادرات الاجتماعية.
على سبيل المثال، خلال 33 عامًا من بناء الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، تم توحيد الجزيرة العربية، وامتدت الفتوحات إلى بلاد الشام ومصر والإمبراطورية البيزنطية، كما أُنشئ نظام إداري للدولة وغير ذلك. وعلى المستوى الفردي، جلس الإمام الشافعي للإفتاء ولم يبلغ العشرين من العمر، وطارق بن زياد فاتح الأندلس كان في الثلاثينات، وصلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين بدأ حملته وهو في الثلاثينات، وفاتح السند محمد بن القاسم الثقفي كان عمره 17 عامًا، وفاتح القسطنطينية محمد الفاتح كان عمره 21 عامًا. وفي العصر الحديث، المرحوم بإذن الله جلالة السلطان قابوس رحمه الله، قائد النهضة العمانية الحديثة، استلم السلطة وهو في بداية الثلاثينات.
هذا قبل..
أما بعد.
قوة الدولة من قوة أجيالها، وقوة أجيالها من قوة العقيدة الدينية والأخلاقية والقيمية والفكرية والعلمية والاقتصادية. فالثبات على هذه القيم يؤدي إلى الاستجابة لتحديات المرحلة مهما كانت صعبة. وإذا فقد الجيل هذه القيم، يعجز عن الاستجابة لتحديات مرحلته، وهذا ما يسميه المؤرخ البريطاني توينبي “شرخ في الروح”. هذا الشرخ الروحي في الجيل يؤدي إلى انهيار حضارة الأجيال السابقة، التي استجابت لتحديات وصعوبات كبيرة وخطيرة. فالتربية الحسنة، والتعليم، والبحث العلمي، والإبداع في مختلف العلوم الإنسانية، هي أساس بناء نهضة الدولة.
ختامًا..
قال الله سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}.
حفظ الله أجيال المسلمين المخلصين، وثبَّتهم على العقيدة الإسلامية الصحيحة، مستلهمين دورهم الشرعي والوطني من الكتاب والسنة وصحابة الرسول الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.