الذكاء الاصطناعي وإسهامه في تطوير الأداء التعليمي بسلطنة عُمان
وهج الخليج – مسقط
يشهد العالم تطورًا متسارعًا في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، حيث لا يقتصر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي على مجالات التصنيع أو تقديم الخدمات، بل يتجاوز ذلك إلى تحسين وتطوير طرق وأساليب وأدوات التعليم؛ إذ يعد التعليم أحد أهم المجالات التي تشهد استخدامًا متزايدًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي لما يوفره من فرص كبيرة لتحسين وتطوير التعليم والتدريب بصورة مستمرة.
وفي هذا الجانب تسعى سلطنة عُمان-وفق رؤية عُمان 2040- إلى تحقيق “تعليم عالِي الجَوْدَةِ، مُدمج بالتقانة، مُتعدِّد المسارات، يُعزِّز الابتكار وريادة الأعمال، ويَبني المهارات”، من خلال برامج تعليمية وتربوية تعزز العملية التعليمية واكتساب مهارات المستقبل.
وحول دور الذكاء الاصطناعي في التعليم والبحث العلمي، أكَّد الدكتور غازي بن علي الرواس عميد البحث العلمي بجامعة السلطان قابوس أنَّ الذكاء الاصطناعي من خلال تقنياته المختلفة يلعب دورًا مهمًّا ينتظر أن يُحدِث نقلة نوعية في العملية التعليمية ومجالات البحث العلمي، حيث يمكن للمعلمين والباحثين تحسين ممارساتهم البحثية والتطبيقية من خلال بيئات تعليم جذابة، تعزز مستويات التحصيل العلمي، حيث يدخل الذكاء الاصطناعي في دعم التدريس، والتخطيط العلمي، وتقديم خطط قيّمة للمعلمين والباحثين من خلال البحث والتقصي والاستفادة من تجارب الآخرين في تعزيز التبادل المعرفي، وتحليل أداء الطلبة بشكل إحصائي وربطه بالاستراتيجيات التعليمية الفاعلة، وتقديم النصائح التي تساعد المعلمين على تحسين أساليب التدريس والتعليم.
وأشار الرواس إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة تختصر الكثير من الوقت والجهد لأي متعلم، بحيث يمكننا أن نصل إلى المعلومة ونحللها بشكل سريع جدًّا، مما يساعد في الفهم والتحليل، وذلك باستخدام تحليل البيانات الضخمة، وتقنيات التعلم الآلي، كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم محتوى تعليميًّا متكيفًا وفقًا لاحتياجات المتعلم، وبالطريقة التي تناسبه في انتقاء المعلومة، بالإضافة إلى تسهيل عملية التعلم عن بُعد، خاصة في ظل التطور التكنولوجي، وأدوات التعليم المتطورة.
وفي مجال تنمية مواهب الطلبة في البحث العلمي، أكَّد عميد البحث العلمي بجامعة السلطان قابوس، على الدور المهم الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في هذا الجانب من خلال توفير البيانات والموارد الضخمة المتاحة في المجالات العلمية المختلفة، إلى جانب تمكين الطلبة من الوصول إلى الدراسات والأبحاث وقواعد البيانات والمقالات العلمية المتاحة بشكل أسرع ومركّز بموضوعات محددة يصعب الحصول عليها بالطرق التقليدية، وبالتالي سهولة تحديد الموضوعات والأفكار البحثية، وربط الطلبة بالشبكات العلمية، والباحثين المتخصصين في مجالات معينة، وتوفير منصات التواصل والتعاون للطلبة للتفاعل مع الباحثين ومشاركة أفكارهم.
وحول أهمية تقنيات الذكاء الاصطناعي في دمج التكنولوجيا الاتصالية بعملية التدريس أشار الدكتور عبدالله بن محمد غواص مدير دائرة التربية الخاصة والتعلم المستمر بالمديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة ظفار إلى أن الذكاء الاصطناعي يعد من التقنيات الحديثة التي تشهد تطورًا مذهلًا في السنوات الأخيرة، وتستخدم في العديد من المجالات، بما في ذلك التعليم فمن خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يمكن للطلبة الاستفادة من تقنيات تعليمية حديثة وفاعلة، تحسّن من أدائهم التعليمي، وتسهّل عليهم عملية التدريس، لهذا كان من المهم إدراج تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن عمليات التدريس لطلبة المدارس، كما يتم إشراك الطلبة الموهوبين في تطوير الحلول لمشكلات بيئية متعددة عبر تقنية إنترنت الأشياء.
وقال غواص إن هناك عددًا من التطبيقات والطرق التي يمكن للطلبة استخدامها في التعلم باستخدام الذكاء الاصطناعي من بينها: تطبيقات التعليم الذاتي، وبرامج البحث الأكاديمي، والتعلم متعدد اللغات، وتطبيقات التعلم الشخصي، والتواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمعلمين استخدام التطبيقات التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في توليد الأفكار الإبداعية، وتحسين الأسلوب الكتابي، وكذلك استخدام تقنيات حديثة مثل تقنية الواقع الافتراضي، ويمثل محاكاة الحاسوب للبيئة الواقعية، ويمكن الوصول له من خلال النظارة المخصصة لذلك إلى جانب تطبيق الواقع المعزز الذي يستخدم في إدماج العالم الافتراضي مع العالم المعزز معًا عن طريق تطبيقات تمكن مستخدميها من التفاعل مع العالمَين الواقعي، والافتراضي المعزز من خلال الفيديو والألعاب الإلكترونية، ليتجسد بصور ثلاثية الأبعاد مع الصوت والتفاعل الحقيقي، ويمكن تطبيقها من خلال الكتابة أو القراءة بالموقف التعليمي.
وقال الدكتور محمد بن راشد المعمري عميد جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة: إن العالم يشهد تحولًا كبيرًا في تطبيقات الذكاء الاصطناعي الذي يعد أحد عناصر الثورة الصناعية الرابعة، وهناك طفرة وتقدم كبير في استخداماته وتقنياته، حيث ساعدت على جعل العالم من حولنا يبدو مختلفًا وأسهل وأسرع، وأصبح استخدامه يشكل جزءًا من حياتنا اليومية.
وحول الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم، أكَّد عميد جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة، أنَّ للذكاء الاصطناعي أهمية كبيرة في مجال التعليم، فيمكن من خلاله تحديث المناهج والدروس تلقائيًّا وتقديمها للطالب بشكل يناسب احتياجاته وقدراته، وتدعيم الطالب خارج الصف الدراسي، وتسجيل الحضور والانصراف للطلبة عن طريق بصمة الوجه، وأيضًا قراءة سلوك الطلبة وتصرفاتهم من خلال كاميرات ترصد تفاعلهم في الصف الدراسي، والتي بدورها تحلل هذه البيانات إلى استنتاجات عن سلوك الطلبة، وتصرفاتهم، وطرق التعامل معهم، كما تساعد على أتمتة مهام القائمين على العملية التعليمية كتصحيح الامتحانات، وتقييم الواجبات المدرسية، وتقييم أنماط التعليم في المدارس، والرد على أغلب الأسئلة العامة، وغيرها من المهام الإدارية.
من جانب آخر، تقول مريم بنت سعيد باعوين رئيسة قسم الابتكار والأولمبياد العلمي بالمديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة ظفار: إنه يتم بمدارس تعليمية ظفار تطبيق مجموعة من النماذج في مجال الابتكار والذكاء الاصطناعي خلال العام الدراسي، تستمر بفعاليات شتوية وصيفية خلال العطل الرسمية للمدارس.
وقالت إن قسم الابتكار والأولمبياد العلمي بمحافظة ظفار ينظم سنويًّا مسابقات في مجالات الابتكار العلمي التي تتيح للطلبة التفكير بآفاق مفتوحة للوصول إلى حلول ذكية لتحديات عالمنا اليوم، فينطلقون بأفكارهم في مجالات الطاقة المتجددة، والعلوم الطبيعية، والرياضيات، ومما لا شكَّ فيه أن العلم في مجال الابتكار والذكاء الاصطناعي يعزز من مهارات البحث العلمي، ويزيد الوعي بمفهوم الملكية الفكرية، فنجد الطلبة يشاركون في إعداد الأبحاث البيئية التي تتعلق بالبيئة في محافظة ظفار، سواء على صعيد الغلاف الجوي أو التربة أو الغطاء النباتي والمياه، وذلك ضمن برنامج / GLOBE البيئي/، كما تسعى وزارة التربية والتعليم لتمكين المعلمين من استخدام تعليم /STEM/ الذي ينمي مهارات حل المشكلات من خلال بناء المشاريع.
وأكدت رئيسة قسم الابتكار والأولمبياد العلمي بالمديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة ظفار أن مسابقات الروبوت والذكاء الاصطناعي تعزز من مهارات البرمجة وتوظيفها في حل مشكلات متنوعة في الحياة اليومية في إطار تنافسي من خلال الموضوعات المطروحة سنويًّا، كمسابقة الطائرات بلا طيار، وأولمبياد الروبوت، ويشير أغلب الطلبة المشاركين في برامج الابتكار والأولمبياد العلمي إلى أن هذه المشاركة أوجدت لديهم الميول العلمي وأسهمت في تشجيعهم للتطلع نحو التخصص مستقبلًا في مجالات الذكاء الاصطناعي والعلوم، كما أن تعليمية ظفار تسعى لتوفير الإمكانات اللازمة لتحقيق هذه البرامج، وقد يكون أبرز إنجازاتها في هذا المجال إنشاؤها لمركز الابتكار والروبوت العلمي بالمحافظة، الذي يضم عددًا من القاعات التدريبية والأدوات التعليمية المسهمة في تمكين الطلبة من المشاركة في المناشط التعليمية المختلفة المتعلقة بالابتكار والذكاء الاصطناعي.
وأشارت إلى أنَّ المركز أسهم منذ تأسيسه في عام 2019 في رفع مستوى جودة الفرق الطلابية الممثلة للمحافظة في المنافسات المحلية والدولية، فتصدرت تعليمية ظفار عددًا من المراكز المتقدمة خلال السنوات الأخيرة، كما خرج طلبتنا كممثلين لسلطنة عُمان في إنجاز مميز لهم وتجربة مثرية يصفونها بأنها محفزة جدًّا، بحيث وسعت مداركهم وساعدتهم في تبادل الخبرات مع أقرانهم من الدول الأخرى.
وأوضحت أسماء بنت محمد المعلم مشرفة تربية خاصة بتعليمية ظفار، وصاحبة مبادرة “تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في التعليم للأشخاص ذوي الإعاقة” أن المبادرة تقوم على تطبيق تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز بالتعليم لطلبة برنامج الدمج السمعي من خلال تطبيقاتها وبرامجها ومواقعها المتنوعة والبرامج الإلكترونية التي تسهم بالتفاعل بين الطلبة والمعلم خلال الأنشطة الصفية واللاصفية بالحصص الدراسية.
وأضافت أنَّ المرحلة الأولى للمبادرة بدأت في 2019م من خلال الرحلة الافتراضية للمعالم العُمانية، والحرف التقليدية المستخدمة بتقنية الواقع الافتراضي، والتي ساعدت بزيادة المحصلة اللغوية لدى الطلبة من خلال كتابة التعليقات على ما تعلموه، انتهاء بالمرحلة الرابعة من تنفيذها هذا العام، حيث تم توزيع نظارة بتقنية VR لكل صف دمج سمعي مطبق بالمدارس الحكومية لإدماجها بالعملية التعليمية من خلال كتب الموسوعة العلمية /أخبرني/ التي تخللتها الموضوعات العلمية والترفيهية التعليمية، ما أسهم في نقل العملية التعليمية من التقليدية إلى إدماجها بمهارات المستقبل الحديثة.
وأشارت إلى أنَّ المبادرة تهدف إلى التعرف على معنى تقنيات وطرق استخدامات الذكاء الاصطناعي، واكتساب مهارة التعامل مع تطبيقاته للأشخاص ذوي الإعاقة، والتعرف على نموذج تطبيقي لطلبة الإعاقة السمعية بتقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والمعزز في تعليمهم، ويأتي تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم للأشخاص ذوي الإعاقة تحقيقًا لـ”رؤية عُمان 2040″، وتحسينًا لجودة التعليم لديهم، وإيجاد بيئة تعليمية تفاعلية جاذبة، ودمجهم بالمجتمع المدرسي الواقعي والافتراضي، وقد أسهمت هذه المبادرة في إيجاد نوع من التفاعل الطلابي مع التقنية أثناء الحصص الدراسية.