تسعيرة النفط بين الواقعية والفهم الخاطئ والتأجيج
تسعيرة النفط بين الواقعية والفهم الخاطئ والتأجيج
شهد الأسبوع المنصرم سجال حاد عبر وسائل التواصل الإجتماعي حول تسعيرة المحروقات في السوق المحلية لشهر فبراير الجاري ، وهي التسعيرة الشهرية التي دأبت وزارة النفط والغاز على إعلانها بداية كل شهر ميلادي في إطار خطة الحكومة لتغطية العجز الناتج عن الهبوط الحاد لأسعار النفط في السوق العالمي .
وجميعنا يعلم بأن تلك الخطوة كانت من حزمة إجراءآت قامت بها الحكومة للمقاربة بين الإنفاق والإيرادات وتجاوز العجز في الموازنة ، وقد تحاشت الحكومة المساس بالرواتب أو العلاوات الدورية أو رفع الدعومات بصور كلية عن قطاعات الكهرباء والماء والمحروقات وأرتأت العمل بتسعيرة للمحروقات المستهلكة في السوق المحلية تؤمن لها مبلغ مليون ريال عٌماني في اليوم أي (30) مليون ريال عٌماني في الشهر وبمجموع (365) مليون ريال في السنة . لهذا رأينا مؤشر حركة التسعيرة بين صعود وهبوط طيلة الشهور الماضية وهو مايعكس مدى تحقيقها لرقم العائد الشهري المحدد كعائد لخزينة الدولة من عدمه . وللتوضيح أكثر ، فإن عائد الإستهلاك الشهري من بيع المحروقات في السوق المحلية في حال تجاوزه سقف الـ (30) مليون ريال عٌماني ، فيتم إحتساب تسعيرة الشهر الذي يليه (إنخفاضًا ) بالنسبة والتناسب مع حجم مايمكن أن نسميه بالفائض الشهري من العائد المخطط له . وبهذا فكل إرتفاع في التسعيرة يعني قلة الإستهلاك المحلي وتحقيق مايمكن أن نسميه بالعجز عن الرقم المراد تحصيله شهريًا لخزينة الدولة ، وكل هبوط في التسعيرة أو ثباتها يعني تحقيق الرقم الشهري المطلوب أو تجاوزه . وقد صرح سعادة الدكتور سالم العوفي وكيل النفط والغاز في بداية فرض التسعيرة “المتحركة” بأنها ليست ثابتة وسيتم مراجعتها شهريًا وهو ماحدث بالفعل حيث رأينا تفاوت التسعيرة وتأرجحها صعودًا وهبوطًا من شهر لآخر . يمكننا أن نقرأ – وبكل تفاؤل كذلك – من حديث سعادة الدكتور سالم بأن التسعيرة يمكن أن تعود إلى سابق عهدها (120) بيسة للتر ، في حال تعافي أسعار النفط عالميُا وتجاوز أسعارها لسقف الـ ( 60) دولار للبرميل . من هنا يمكننا القول بأن تسعيرة المحروقات في السوق المحلية يتحكم بها المواطن وتحت مسؤوليته وتصرفه ، فكلما زاد من إستهلاكة تدنت الأسعار والعكس صحيح .
لايمكننا الحديث اليوم عن فرضيات ومعالجات أكثر كلفة ماليًا وأطول زمنًا لتعدد مصادر الدخل وتنويعه وتجاوز العجز في موازنة الدولة بغير تدوير الممكنات المتاحة والأدوات المستعجلة والتي تلجأ إليها أي حكومة في العالم لمواجهة الأزمات المالية الطارئة كالتي نعيشها اليوم والتي من إبرزها رفع الدعومات الحكومية وزيادة الرسوم والضرائب وتوسيع دوائرها . مشكلتنا اليوم ليست في إجراءآت الحكومة بل في كيفية فهم تلك الإجراءآت وتسكينها في سياقها الحقيقي وفق السياسات العامة للدولة ووفق المناخ الإقتصادي الذي يسود العالم اليوم .
فمن الخطيئة – في تقديري – أن نتحدث بإطناب غير مبرر عن فقد نعمة – إذا جاز التعبير – ونتناسى جملة من النعم التي مازلنا ننعم بها خاصة وأننا جميعنا يعلم بأننا نعيش في تفاصيل أزمة عالمية طارئة فرضت نفسها على عشرات البلدان في العالم وعالجتها كل دولة وفق مصلحتها ومقدراتها وسياساتها ، والمتابع للإجراءآت المتبعة في السلطنة يجدها مخففة وعقلانية إلى أبعد الحدود مقارنة بإجراءآت بعض البلدان التي يفترض قوة ملاءأتها المالية وصناديقها السيادية والوفورات المالية الضخمة من عوائد سنوات الرخاء والتي إتخذت إجراءآت تقشفية حادة أقرب ماتكون إلى إقتصادات الحروب والأزمات المالية الحادة والدائمة .
أعود وأكرر هنا بأننا لانتحدث عن الممكنات والمفترضات فجميعنا يعلمها ويتحدث بها ، ولكن الحديث هنا حصرًا في فهم تسعيرة المحروقات في السوق المحلية ودور المواطن الكبير فيها صعودًا وهبوطًا ، والتحذير كذلك – إن جاز لي ذلك – من مغبة الإنجرار خلف الدعوات الظلامية والإشاعات السوداء التي تتسرب من حسابات مشبوهة ومجهولة المصدر في وسائل التواصل الإجتماعي ومن غرف عمليات إحترافية بلاشك في الصياغة والتوقيت والشرائح المستهدفة ، لتحقيق أكبر أثر سلبي على السلطنة كمنظومة دولة برمتها ، سلبية تتعدى تسعيرة المحروقات بمراحل في أهدافها ونواياها وآثارها .
المواطن العماني اليوم ليس شريكًا فاعلًا ومحورًا هامًا في تسعيرة المحروقات فحسب بل الركيزة الأساس في الحفاظ على مكتسبات وطنه المادية والمعنوية بوعيه وتفاعله الإيجابي ، ففي سلطنتنا الحبيبة الكثير مما يستحق التضحية والفخر والشكر والثناء إن تدبرنا .
قبل اللقاء : أحلم باليوم الذي نحتكم فيه في جميع شؤوننا ومطالباتنا إلى مؤسساتنا الدستورية والتشريعية كمجلسي الشورى والدولة لكي نغلق الباب على المزايدين والمتربصين وتبقى عُمان – وكما عٌرفت – موطن للحكمة وإنموذجًا للمواطنة المحصنة العصية ودار للتآخي والمحبة والسلام .
حفظ الله عٌماننا وسلطاننا بماحفظ به ذكره المنزل العظيم من كل شر وسوء ومكروه وبالشكر تدوم النعم .