الأزياء النسائية التقليدية العمانية بين الاصالة والمعاصرة

لا يختلف اثنان على عمق الحضارة الانسانية العمانية الضاربة في عمق التاريخ والتي كان للانسان دور في صياغتها كشكل من أشكال التعايش ونمطا من أنماط التفكير لأفراد المجتمع على مر الحقب والعصور باختلافها وتباينها.
ولعل الموروثات الشعبية بتعددها وتميزها وتطورها كانت نمطا من أنماط هذا التعايش ، ولو أردنا تعديد هذه الموروثات سواء كانت الفنية باشكالها وتقسيماتها أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو حتى الحياة المعيشية وما حوته بدأً من اشكال البناء وطرقه أو حتى الملبوسات بتعددها وتمايزها من مكان إلى آخر ستأخذ منا حيزا من الوقت والجهد لا مجال لذكره هنا، لذلك سأركز هنا على الآزياء التقليدية العمانية كنمط حياة كان سائدا بكل ما حواه من جمالية وتفرد والذي ومع تطور الاحوال وتداخل الثقافات وتلاقحها بدأ في التلاشي والاندثار وما بقي منه شابه التطوير المفرط ليغير ركيزته الاساسية وشكله المتعارف عليه والذي كان ميزة فنية تميز بها الزي العماني التقليدي الذي بقي صامدا أمام هجمات كثيرة رافضا التطوير المهين الذي كاد أن يلغي جماليته.
ما دعاني للكتابة اليوم وحول هذا الموضوع بالذات معرفتي بوجود عدد من شابات الجيل الحالي اللاتي لا زلن وبجهود بسيطة ذاتية يكافحن لبقاء هذا الزي العماني التقليدي حيا يسترخي على أجساد بنات حوى بعمقه التاريخي وجماليته المتفردة والذي لن تجد له مثيلا بين الآزياء الآخرى..
غير أن البعض من هؤلاء الشابات بالغن في تطويره وتحويره بطريقة أضاعت هيبته وشخصيته وجماليته في نفس الوقت، بينما بقي البعض منهن محافظا على تلك الهالة التي تعطيه ذلك التميز وذلك النور الذي يشعرك بالتفرد والعمق التاريخي المنشود.
إن من أولئك الشابات العمانيات اللاتي أخذن على عاتقهن إظهار وإبراز الزي العماني التقليدي بصورته التقليدية وميزته العمانية الضاربة في جذور التاريخ دون تشويه للأصل مع مواكبته للعصر والتي استطاعت المواءمة بين الأصالة والحداثة أو التقليد والعصرنة المصممة الشابة زينة السيفية.
أن تعيش في العصرنة الحالية بما تحمله من انفتاح معرفي وتكنولوجي وأن تشاهد من ما تحويه بيوت الموضة الحالية من أزياء وأنت جالس مكانك وتشتري ما شئت بكبسة زر، قد تنسيك كل ما كان خالدا من تلك الآزياء التقليدية فهذا بحد ذاته تحد كبير وعقبة أكبر وأنها قد تلهيك عن كل ماض ، لكن هذه المصممة الشابة باصرارها وتمسكها بذلك الموروث سلكت منحى آخر وأخذت على عاتقتها حملا كبيرا وتمسكت بعمانيتها الجميلة النابعة من حبها لهذا الموروث أملا في المحافظة عليه.
من خلال سطوري القادمة سأحاول بشيء من التفصيل الحديث عن بداياتها واجتهادها ومشاركاتها المثرية وكيف أنها استطاعت تحويل الحلم إلى واقع جميل وما صادفها ويصادفها من عقبات في سبيل الارتقاء بهذا الموروث وجعله حيا يرزق وشاهدا على حضارة عريقة ، كذلك سأمد حديثي قليلا عن ما يميز أعمالها وأزيائها عن مثيلاتها وعن احتياجاتها سواء المادية أو المعنوية أو حتى حاجتها إلى التكاتف والتلاحم بنشر ابداعاتها وتلك التحف الفنية التي تنتجها والتسويق لها.
المصممة زينة السيفية شابة عمانية مكافحة تعمل حاليا كمسؤول مباشر بمستشفى بدر السماء الطبي ومع ذلك لم يثنها عملها عن هوايتها وحبها لموروث الأزياء العماني التقليدي فاتخذته كعمل موازي لعملها الحالي ولإبقاء هذه الحرفة متواجدة جنبا إلى جنب مع موضة الأزياء الحديثة ، واستطاعت بفكرها الابداعي المتألق من مزج ذلك التراث او الموروث بالحديث من الموضة دون الإخلال بمكونات وأساس الزي .
بدأت المصممة الشابة مشوارها مع التصميم قبل أربع سنوات بعد أن تخمرت الفكرة في مخيلتها وبعد دراسة متأنية وكان باستطاعتها اقتحام السوق بتصاميم حديثة تماشي الموضة والربح السريع إلا أنها ومنذ بداية الفكرة لديها أخذت على عاتقها إحياء الزي العماني التقليدي ولكن بطريقة حديثة وابرازه كجزء من التاريخ الضارب في عمق الحياة الانسانية العمانية آخذة في الاعتبار عدم المساس بأصل الزي وهيئته وهيبته وشخصية المتميزة عن غيره من الازياء..
ليس من السهولة بمكان أن تضمن النجاح والتفوق والتميز في ظل التغيرات الحديثة التي طرأت على الأزياء ، لكن الفكر المستنير والمعرفة المتأنية بمعطيات السوق وحاجته هو ما ألهمها التصاميم الحديثة والتي طوعتها لتتماشى مع الزي التقليدي وجعلته أكثر جاذبية ونظارة وألبسته حلة بهية بما تملكه من مخيلة مبدعة دون المساس بقاعدة الزي الأصلية. لذلك حين عرضت بعضا من تصاميم أزيائها وجدت تجاوبا كبيرا واقبالا جيدا من قبل النساء وهو ما اعطاها دفعة إلى الأمام وحافزا على مواصلة المشوار.
الموهبة أساس الإبداع والهواية هي الدافع لتحقيق أهداف الموهبة وهذه المصممة جمعت بين الشيئين فهي تتمتع بموهبة فذة وفكر واعٍ مستنير ومخيلة واسعة مما أعطاها أفكارا دائما ما كانت خارج الصندوق ، لذلك نجد انتاجها دائما ما أبهر الجمهور وكثيرا ما أثنوا عليها .
المصممة زينة السيفية لم تكتفي بالموهبة والابداع ، فهي تعلم أنها تحتاج إلى صقل الموهبة وتطوير الابداع لذلك شاركت في الكثير من معارض الأزياء والورش ،لاكتساب مزيد من الخبرة كما شاركت في كثير من المناسبات وعروض أزياء للمصممات العمانيات كعرض في الاحتفال بيوم اليتيم وعرض أزياء جلامر وغيرها الكثير ولها اسهامات فاعلة في هذا المجال.
أن السوق يعج بالازياء العمانية التقليدية ، وقد يتساءل البعض ما الذي يميز أزياء المصممة زينة السيفية عمن سواها من المصممات؟.
إن المتتبع للسوق وما ينتج من أزياء وخاصة تلك التي يطلق عليها الأزياء التقليدية يجد أن هناك قفزا كبيرا وتخطي حاد لكل الخطوط الحمراء التي من شأنها إبقاء الزي العماني التقليدي محافظا على هيبته وشخصيته التاريخية ، لذلك ومن خلال متابعاتي لإنتاجات المصممة وجدت أن هناك التزاما كبيرا واحتراما لهذا الموروث في جميع أعمالها من حيث المحافظة على أساس الزي القديم ومكوناته دون إلغاء هويته الحقيقة ولنا في سلسلة انتاجها ( كولكشن ذهبيات) وأيضا ( كولكشن الملكي) أن نرى مدى التزامها واحترامها للزي التقليدي فمع تعدد الألوان والأشكال يبقى الزي ذلك الذي تتخيله ويبقى الهدف هو ابراز الشغل المضاف ومدى التناسق والتطابق بين الخامة الأصلية والمضاف إليها دون الإخلال بأصل الزي القديم.
أي عمل وأي مشروع لا بد أن تعتريه معوقات واشكاليات بعضها يسهل تجاوزها ويصعب تجاوز البعض الآخر دون مساعدة ، ولعل من اهم المعوقات والاشكالات هي الدعم بشقيه المادي والمعنوي ثم التسويق وشراسة المنافسة ..
فمصممة شابة بحجم وكفاءة المصممة زينة السيفية ألا تستحق أن يلتفت إليها وأن تساند على جميع الأصعدة ما دام همها الأول هو المحافظة على الموروث ، ألا تستحق التشجيع وتبني انتاجها وتصاميمها واعطائها الأولوية في الدعم سواء المادي أو المعنوي حتى تتمكن من مواصلة عملها .
أن التسويق مشكلة أخرى وإن كانت هي تعمل جاهدة على وسائل التواصل الاجتماعي لتسوق لأعمالها إلا أنه يقع على عاتقنا كمهتمين بالموروث والتراث وخاصة الطبقة النسائية أن يكونوا لحمة واحدة في سبيل انجاح ما تصبوا إلية المصممة لأن نجاحها هو نجاح للجميع نجاح للتراث العماني نجاح للموروث الشعبي وبقاء له على مر العصور.
ثم أخيرا إذا تحدثنا عن المنافسة فأقصد المنافسة غير الشريفة منافسة العمالة الوافدة ولعبها في الأزياء والضحك على البعض بأنها أزياء عمانية تقليدية لذلك على المجتمع وايضا أقول خاصة الطبقة النسائية المستهلكة لهذا النوع من الأزياء أن تكون أكثر وعيا ودراية بالزي التقليدي الحقيقي من المزور وأن تساند هذه الطبقة مثل هؤلاء الشابات المجتهدات وتقدم لهن كل الدعم ما أمكن ذلك.