باحثة عمانية توصي بضرورة تعديل النظام الأساسي للدولة
حصلت الباحثة القانونية بمجلس الشورى العماني / زينب بنت علي بن سالم الريامية على درجة الماجستير من كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس عن موضوع ” الاستجواب كوسيلة من وسائل الرقابة البرلمانية- دراسة مقارنة ” والتي طرحت من خلالها أحد أهم أدوات الرقابة البرلمانية المستخدمة بالمجلس مشيرة إلى أن نظام الحكم الذي تبناه النظام الأساسي العماني هو النظام المختلط الذي يجمع بين مظاهر النظامين الرئاسي والبرلماني، وأن مبدأ الفصل بين السلطات فيه لا يعني إقامة سياج مادي يفصل فصلاً تاماً بين سلطات الحكم، بل فصلاً مرناً متوازناً ومتفاعلاً بينها، مع وجود وسائل تأثير ورقابة متبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وذلك منعاً للتعسف والتجاوز في السلطة، وبالتالي إلى إهدار حقوق الأفراد وحرياتهم ، من خلال قيامها بدراسة اعتمدت فيها على المنهج التحليلي المقارن، وذلك باستقراء نصوص النظام الأساسي للدولة، واللائحة الداخلية لمجلس الشورى، والقوانين المتعلقة بموضوع الدراسة وتحليلها ومناقشتها،وعرض أهم الآراء الفقهية المتعلقة بالموضوع، ومقارنة ذلك بإجراءات الاستجواب في بعض دساتير دول مجلس التعاون الخليجي والأنظمة الداخلية لها ، وقد ناقشت الباحثة دراستها بمقر كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس من خلال لجنة تكونت من الأساتذة المختصين ترأسها الدكتور محمد ابراهيم البنداري أستاذ القانون الخاص بكلية الحقوق ،بعضوية كلا من الدكتور محمد طاهر آل ابراهيم أستاذ القانون بكلية الحقوق ، والدكتور سيف بن سالم السعيدي أستاذ مساعد للقانون العام بالكلية ، والدكتور سالم بن سلمان الشكيلي المستشار القانوني بمجلس الشورى .
أهمية الدراسة :
و حول أهمية هذه الدراسة قالت الريامية :تهدف الرقابة البرلمانية إلى توجيه الحكومة والتحقق من قيامها بأعمالها على أكمل وجه، وأخيراً محاسبتها إن وجد ما يستوجب ذلك، ولا تعني عرقلة الحكومة أو شل حركتها في ممارسة أعمالها، بهدف إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح وهو ما يعد أحد أهم المهام الرقابية التي كفلها النظام الأساسي العماني لأعضاء مجلس الشورى في البلاد، من هنا دفعنا أهمية الدور الرقابي لمجلس الشورى إلى دراسة ومعالجة الاستجواب لاختلافه عن الوسائل الرقابية الأخرى، حيث يفوق الوسائل الأخرى أهمية، لخطورة نتائجه، وذلك وفقاً لما هو وارد في النظام الأساسي للدولة وفي اللائحة الداخلية لمجلس الشورى، بهدف الوصول إلى نظام قانوني أمثل يجعل من الاستجواب وسيلة فعالة يستطيع به مجلس الشورى إحكام رقابته على أعمال الحكومة، وأضافت الريامية أن أهمية هذه الدراسة تتجلي في معرفة التمييز بين الاستجواب وغيره من وسائل الرقابة البرلمانية، والشروط الشكلية والموضوعية للاستجواب، وأحكامه وأصول ممارسته وسقوطه واستبعاده وآثاره إلى آخر هذه المسائل التي ينبغي أن تكون موضوع بحث ودراسة.
إشكالية الدراسة:
وأوضحت الباحثة أن اشكالية الدراسة تتمحور في بحث مدى قوة وسيلة الاستجواب البرلماني ودورها في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، نحو تحقيق قدر من التعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مقارنة بغيرها من الوسائل الرقابية الممنوحة لمجلس الشورى وفقاً للنظام الأساسي للدولة واللائحة الداخلية للمجلس، وبيان العوائق التي تحول دون استخدام وتفعيل هذه الوسيلة، وصولاً إلى الهدف المنشود.
أهداف الدراسة:
وعن أهداف دراستها أوضحت قائلة : تأتي هذه الدراسة لبيان عدة أهداف، جاء أبرزها في دراسة النص الدستوري واللائحي الخاص بالاستجواب، وفاعلية تطبيقها، وتسليط الضوء على العوائق التي تواجه مجلس الشورى من ممارسة وسيلة الاستجواب، هذا إضافة إلى الإلمام بالشروط الواجب توافرها عند تقديم الاستجواب، وإجراءات إعمالها، وبيان مدى قدرة وسيلة الاستجواب في إحكام رقابة مجلس الشورى على أعمال السلطة التنفيذية.
وأوصحت الباحثة أنه وفي سبيل الإحاطة بجوانب ومواضيع هذا البحث فقد تم تقسيمه إلى مبحث تمهيدي وفصلين آخرين، حيث تناول المبحث التمهيدي مفهوم وأهمية ونطاق الرقابة البرلمانية بشكل عام، ووسائلها في الأنظمة المختلفة، ثم عرجت الدراسة في الفصل الأول إلى بيان مفهوم الاستجواب وأوجه الاختلاف والاتفاق بينه وبين الوسائل الرقابية الأخرى، وشروطه الشكلية والموضوعية الواجب توافرها عند تقديمه، وأخيراً في الفصل الثاني: الذي تضمن المراحل الإجرائية التي يمر بها طلب الاستجواب، وجلسة مناقشته، والمصير الذي يؤول إليه، وصولاً لموضوع تحريك المسؤولية السياسية، وتمت المقارنة بين السلطنة ومصر والكويت والبحرين، وأهم العوامل المؤثرة على ممارسة الاستجواب، متبعة في ذلك كله المنهج التحليلي المقارن .
نتائج وتوصيات الدراسة :
خلصت دراسة الريامية إلى مجموعة من النتائج والتوصيات تمثلت أهم النتائج في أهم النتائج: قصرت المادة (58) مكررا (43) من النظام الأساسي للدولة توجيه الاستجواب إلى وزراء الخدمات دون غيرهم مما يدل ذلك على هيمنة السلطنة التنفيذية على السلطة التشريعية بأن أصدر مجلس الوزراء قراراً بتقسيم الوزارات إلى خمسة عشر وزارة خدمية والأخرى سيادية، مما يعد ذلك عائقاً أمام المجلس في إعمال رقابته على الحكومة، كما توسعت المادة في النصاب المقرر لتقديم الاستجواب بما لا يقل عن خمسة عشر عضواً، باعتباره عدد كبير مقارنة بتشريعات الدول المقارنة، وهو مسلك يسعى إلى تضييق نطاق استخدام الاستجواب، نظراً للأدوار المهمة التي يضطلع بها غيرهم من المسؤولين ، ومن النتائج أيضا أن المشرع العماني أعطى للوزير الموجه إليه الاستجواب إمكانية الرد كتابة على الاستجواب دون حضوره للمجلس، مما يعد ذلك من أكبر العوائق في ممارسة المجلس لدوره الرقابي من خلال وسيلة الاستجواب، حيث أن الحكومة دائماً ما تعمد إلى استخدام الرد الكتابي في طلبات الاستجواب وأغلب الوسائل الرقابية الأخرى، وبالتالي فإن اللجوء للرد الكتابي دون حضور الوزير يعد عائقاً أمام المجلس من ممارسة دوره الرقابي على أكمل وجه، كما توصلت النتائج إلى أن النظام الأساسي العماني وإن كان قد منح مجلس الشورى حق استجواب وزراء الخدمات فإنه لم يقرر بعد المسؤولية السياسية لمجلس الشورى، على الرغم من تقرير حل المجلس، حيث أن النظام الأساسي العماني أخذ بالمسؤولية السياسية إلا أنها مقررة أمام السلطان وليس أمام مجلس الشورى، مقارنة بالدول التي أخذت بحق الاستجواب فإنها تقرر المسؤولية السياسية أمام البرلمان، وأن مسلك المشرع العماني في إضافة الأحكام الخاصة بمجلس عمان في النظام الأساسي العماني والصادرة بالمرسوم السلطاني رقم 99/2011 محل نظر، إذ كان يفضل الاكتفاء بتعديل قانون مجلس عمان الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 86/97، لسهولة تعديل هذا الأخير بإجراءات سهلة نسبياً مقارنة بالإجراءات الواجبة الاتباع عند تعديل النظام الأساسي العماني، وبما يتواءم تعديلها وفقاً للمتغيرات التي تحدث من حين إلى آخر، ومنذ صدور التعديلات الأخيرة للنظام الأساسي العماني ولطبيعة الصلاحيات التشريعية والرقابية التي قضت بها، إلا أن قانون مجلس عمان لا زال حبيس الأدراج إلى الآن.
وأوصت الباحثة في دراستها ” الاستجواب كوسيلة من وسائل الرقابة البرلمانية ” بضرورة تعديل النظام الأساسي للدولة واللائحة الداخلية لمجلس الشورى، حتى يجني الاستجواب ثماره ونتائجه، ولتخفيف الشروط والضوابط الشديدة التي تشل فاعلية الاستجواب، وبما يضمن تحقيق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بحيث يتم تقليص العدد المقرر عند تقديم طلب الاستجواب بما لا يقل عن خمسة عشر عضواً، كأن يكون شرط تقديمه من خمسة أعضاء على الأقل، كمرحلة أولى، للتقليل، مقارنة بغالبية الدول والتي يكتفي بعضها بتقديمه من عضو واحد، كما أوصي بضرورة توسيع دائرة نطاق من يوجه إليهم الاستجواب نحو تمكين عضو المجلس من مد رقابته على كافة المسؤولين، بحيث لا يقتصر فقط على وزراء الخدمات، وإنما كافة الوزراء ومن في حكمهم، وإلغاء التقسيم الوارد من مجلس الوزراء بشأن تقسيم الوزارات إلى وزارات خدمية وسيادية، مما يوجب ذلك تعديل نص المادة (58) مكررا (43) من النظام الأساسي للدولة لتكون كالآتي:
” يجوز بناء على طلب موقع من خمسة أعضاء على الأقل من أعضاء مجلس الشورى استجواب أي من الوزراء ومن في حكمهم في الأمور المتعلقة بتجاوز صلاحياتهم بالمخالفة للقانون، ومناقشة ذلك من قبل المجلس ورفع نتيجة ما يتوصل إليه في هذا الشأن إلى جلالة السلطان”.
وتضمنت التوصيات ايضا أهمية منح مجلس الشورى حق استدعاء الوزير المراد استجوابه للحضور لجلسة المجلس لمناقشة موضوع الاستجواب، دون الحاجة إلى موافقة الحكومة بشأن ذلك، وعدم إمكانية الرد الكتابي على طلب الاستجواب، حتى تكون هذه الوسيلة الرقابية قائمة بدورها على أكمل وجه، بحيث لا تفقد أهميتها وقوتها القانونية، وعليه نقترح تعديل البند (د) من المادة (155) من اللائحة الداخلية للمجلس بحذف عبارة “وللوزير الرد كتابةً على ذلك، وترسل نسخة منه لكل عضو وقع على الطلب” لتصبح كالآتي:
” في حالة تحفظ المكتب على الطلب، يدعو الرئيس مقدميه لاجتماع مشترك مع المكتب خلال مدة لا تتجاوز أسبوعا من تاريخ ذلك للتباحث بهذا الشأن، فإذا تمسكوا بالطلب قام الرئيس بإرساله إلى الوزير المختص ويحدد موعداً لمناقشته في مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً من تاريخ إرساله، بالاتفاق مع الحكومة”.
وأشارت الباحثة في توصياتها أنه على اعتبار أن المسؤولية السياسية أمام البرلمان هي المميز الرئيسي لنظام الدولة وتعد إحدى دعاماته وأركانه، نقترح إعطاء مجلس الشورى سلطة طرح الثقة بالوزير (المسؤولية الفردية) كمرحلة أولى، نحو تحقيق أكبر قدر من التوازن بين السلطتين، كما أن أغلب تشريعات الدول المقارنة تأخذ بالمسؤولية السياسية أمام البرلمان ، كما أوصت بأهمية الإسراع في إصدار قانون مجلس عُمان، لمواكبة هذه المرحلة والمهام الجديدة المناطة بمجلس عمان، والحاجة لتفسير وتنظيم الكثير من الأمور على صعيد العمل التشريعي المشترك بين مجلسي الدولة والشورى، لما سيترتب عليه نتيجة هامة وهي صفة إلزام الكافة، والتي قد لا تتحقق بوجود اللائحة الداخلية منفردة، خصوصاً أن الأخيرة لم يتم نشرها بالجريدة الرسمية وضرورة تضمين هذا القانون بكافة الأدوات الرقابية والمدد اللازمة للحكومة في الرد عليها وكذلك الحال بالنسبة لمقترحات مشروعات القوانين المقدمة من إحدى المجلسين، ونقترح في ذات الإطار أهمية إنشاء محكمة دستورية تعنى بتفسير النصوص الدستورية، والمنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، لإزالة كافة العوائق التي من شأنها أن تؤثر على سير العمل التشريعي والرقابي للمجلس بحيث تكون النصوص واضحة لا خلاف عليها.